بيرم أطلق من القاهرة مبادرة الغيث والغوث: جئتكم حاملا الأمل رغم الانهيار
ألقى وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم كلمة خلال الدورة الـ 49 لمؤتمر العمل العربي المنعقد في القاهرة قال فيها: “تحية لكم جميعاً على هذا الشمل العربي، وفي هذا الإطار تحية لانضمام سوريا وعودتها على أمل أن نُطفئ كلّ الحرائق العربية في بلداننا. تحية أيضاً لمصر على حسن استضافتها، ويبقى الجرح الفلسطيني هو عنوان أمتنا ولكنه الجرح الذي منه سيصدر النور، نور العزة والانتصار القادم، لا محالة، بإذن الله وقد بدأت إرهاصات الانتصار تطلّ من أطفال فلسطين”.
وقال: “لن نيأس لأننا كما يقول جلال الدين الرومي: “إنّ جراحنا هي التشقُّقات التي يدخل منها النور”. جئتكم من لبنان، لبنان التعدّدية والتنوع، لبنان الضيافة والريادة والثقافة، لبنان الوجع والصعوبات الاقتصادية، وأقولها بكلّ جرأة نتحمُّل مسؤولية جزء منها نحن اللبنانيين، فمن المهم أن يتحمّل الإنسان المسؤولية، إننا نعاني من حصارٍ ظالم وجائر على هذا البلد الصغير. جئتكم أحمل إليكم الأمل، ولأننا نؤمن بالأمل ورغم الانهيار الحاصل في لبنان بما لم يمضِ له مثيل ولم نعهد له مثيلاً، إلا أننا ندير أنفسنا بالموارد البشرية. أنا أدير الوزارة ولا توجد لدينا كهرباء ولا يوجد لدينا مازوت ولا حتى أوراق، لكننا، مدفوعين بالأمل والإرادة، راهننا على الموارد البشرية وأطلقنا روح المصداقية فاجتذبنا أهل الخير والتبرُّع والوقوف والمؤازرة، لذلك فعلنا وقمنا بعمل لم يحصل في لبنان، إذ أنني أمّنتُ لوزارة العمل، رغم الانهيار، نصف احتياجاتها من الطاقة الكهربائية عبر الطاقة البديلة بالألواح الشمسية ومن دون أن أكلف خزينة الدولة اللبنانية ليرة واحدة”.
أضاف:” اجتذبنا أيضاً تبرُّعات من أجل التحوُّل الرقمي وقد أنجزنا مع الفرع الإقليمي لمنظمة العمل الدولية مزايدة لتأمين البنية التحتية الأساسية للتحول الرقمي من أجل الوصول إلى صفر ورق بما يُهوِّن على المواطن وبما يؤدي أيضاً إلى مواكبة العصر والتطورات والتحولات الرقمية في زمن الذكاء الاصطناعي الذي كان عنواناً لمؤتمرنا السابق. في هذا الإطار، أمنّا العديد من أجهزة الحاسوب وأطلقنا مساراً للتدريب المهني المُعجَّل وواكبنا غلاء المعيشة، قدر المُستطاع، ليس فقط لكي نحمي العمال، الطرف الأكثر تضرُّراً، ولكن أيضاً لنضمن التوازن بين أطراف الإنتاج الثلاثة. أطلقنا مسار التدريب المهني المُعجَّل في المناطق النائية لأننا نؤمن بقاعدة اسمها قاعدة الاستعداد والفرصة التي تعني أنك عندما تكون مستعداً فإنك ستلتقي بفرصة هنا وفرصة هناك. وفي هذا الإطار، أتقدم بالشكر الجزيل إلى الأخ العزيز سعادة مدير عام منظمة العمل العربية الذي نظر نظرة أخوية عندما قدّمتُ له مشروعاً للتدريب المهني المُعجَّل المرتبط بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في لبنان للشباب اللبناني الموهوب، وسرعان ما تبنّى هذه المبادرة، لا بل دعمها وقال إنه سيأتي بنفسه إلى لبنان مُشاركاً في هذه الدورات دعماً، ولتقديم الشهادات وهذه حركة رمزية مهمة جداً تعني أنّ لبنان في قلوبكم أيها الإخوة كما أنتم في قلوبنا”.
تابع:”ولأننا نتكلم عن الإخوة العرب، فإنني أُطلق من هنا مبادرة الغيث والغوث العربيّين، مُنطلقاً من الآية القرآنية التي تقول: “ألم ترَ أنّ الله يُزجي سحاباً ثم يؤلِّف بينه، ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله”. أحلّل هذه الآية مُطلقاً مبادرة الغيث والغوث العربيين من القاهرة، من مؤتمر العمل العربي. هذه الآية تعني أنّ الله ينظر إلى السحاب المتفرق ولكنه يُزجي هذا السحاب أي يدفعه من أجل التآلف. إذاً نحن مثل غيوم متفرقة نحتاج إلى مبادرات الخير ولمّ الشمل لكي تتألف هذه الغيوم ويؤلِّف الله بينها فتجتمع. ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة مراكمة الجهد ومضاعفته بإخلاص وتعاون وتآزر ومحبة.”ثم يؤلِّف بينه ثم يجعله ركاماً”، أي لتتراكم العطاءات والتآزر وعندها ماذا ستكون النتيجة؟ يقول القرآن الكريم: “فترى الوتق يخرج من خلاله”، أي أننا لا يمكن أن يصدر منا الغيث ولا الغوث إلا بهذا التآزر وهذا التآلف وبإطفاء الحرائق في العالم العربي وأن نعود أمةً لها هيبتها ووزنها لأننا في زمن لا يحترم الضُّعفاء، ولن يحسب أحدٌ لنا حساباً إذا كانت قدسُنا مسبية لأنّ لا قومة لأمتنا بلا قدسية قدسنا، ولذلك ندعو بهذه المبادرة إلى الاقتصاد المُنتج وثقافة تقديس العمل، إلى العمل الذي يشعر فيه الإنسان بالمعنى، لا ثقافة التسوُّل والمساعدات وحسب، وهذا ما طبّقهُ الحبيب المُصطفى عندما جاء إليه رجل بينما كان يجلس مع أصحابه، قال يا رسول الله أريدُ مساعدة فهبّ أحد الصحابة لمساعدته، فقال له النبيُّ “اجلس، ولكن من يُقرضه ليشتري فأساً فينزل إلى ذلك الوادي فيحتطِب فيستغني عن المساعدة اليوم وغداً”. يريد منّا النبي ثقافة الغنى، ثقافة الاستغناء، ثقافة المعنى والعمل وهو الذي قال عن يد العامل: “هذه يدٌ يحبها الله ورسوله”. لذلك هي ثقافة الغوث والغيث، ثقافة المُخرجات الطيبة والكلمة الطيبة. لا أتكلم بالشعارات ولا بالمثاليات، التاريخ يقول أنّ الأمة التي تتآزر وتستجيب للتحدّي وتصنع ريادة وتحوِّل الضعفَ إلى قوة وتصنعُ من نقاط الضعف قوة، أمةٌ ستزدهر، وأمتنا فيها الخير وفيها كلُّ عناصر القوة التي إذا ما اجتمعت تصنع من الأشياء الصغيرة أشياء كبيرة. ولأنني أتكلم عن الأشياء الصغيرة كيف تُحدِثُ أثراً كبيراً، أعود إلى فلسطين، أعودُ إلى جرحنا النازف ولكن إلى وعدنا الحق الآتي لا محالة، بإذن الله”.
وختم:” سأختمُ بقصة رمزية، كان هناك حجرٌ صغير يشعر بالمهانة وقلة الثقة الذاتية وبأن لا قيمة له في الحياة، إذ أنّ الحجارة الكبيرة هي التي تزين القلاع والقصور والمعابد. مرت الأيام والسنوات وهذا الحجر الصغير لا ثقة له بنفسه وينظر إليها باحتقار إلى أن شاهد ذات مرة على التلفاز دبابة ميركافا تقتحم أحياء فلسطين، تهدم البيوت على أصحابها فيخرج إليها فتى اسمه فارس عودة في الثالثة عشرة من عمره لا يجد سلاحاً ولا مُعيناً، لا من مجتمع دولي ولا من قرارات دولية، يتوكّل على الله، بإرادته وبثقة بأمته بأنها أمة لا تُهزم إن شاء الله، ينظرُ إلى الأرض وفي وجهه دبابة الميركافا التي سحقناها في جنوب لبنان وصنعنا العزة والكرامة وهزمناها. يقف هذا الطفل الفلسطيني لا يجدُ شيئاً لكنه يجدُ حجراً صغيراً فيحمله في قبضة إيمانه يرمي به دبابة الميركافا، فما كان منها إلا أن انكفأت أمام الطفل الفلسطيني لتنتصر الإرادة وينتصر الحق على الباطل.. نعم إننا قادرون ونستطيع أن نصنع الأشياء الكبيرة من هذا التآزر ومن التراكم لنصنع الغيث للأمة”.