إقتصاد

كيف ستعمل منصّة “بلومبرغ” وما الفرق بينها وبين “صيرفة”؟

بعد 4 أعوامٍ على الأزمة التي خرقت جدار الإقتصاد اللبناني بشكلٍ علني، لم يشهد لبنان على أيّة حلولٍ جذرية للخروج من ظلمة الإنهيار وذلك بسبب تقاعس السلطة السياسية الحاكمة عن القيام بأيٍ من الإصلاحات إن كان بتشريع قوانين إصلاحية من شأنها تعبيد الطريق أمام الحكومة “الأصيلة” للسير بخطّة نهوض حقيقية تحاكي واقع الدورية الإقتصادية، تعمل على الحدّ من التضخّم وتحمي الأمن الغذائي ومستوى معيشة المواطن من الإحتكار، وتأمين الإستقرار المطلوب لجلب الإستثمار والنهوض مُجدّداً، أو الإستقالة وترك القرارات لإختصاصيين قادرين على القيام بالعمل الصحيح.

الفرصة كانت مُتاحة لتجنّب “جهنّم” الإنهيار بخطواتٍ بسيطة في البداية، أولاً عبر إقرار قانون الكابيتال كونترول منذ تشرين الأول 2019، البحث بطريقةٍ منطقية لتقسيط الودائع وعدم احتجازها ولربما تقسيط السندات المتوجبة على الدولة أسوةً بالـ “يوروبوندز” التي مع القرار “الغبي”

الذي اتّخذته حكومة “الصدفة” حينها بالتخلّف عن سدادها، خفضت وكالة “موديز” للتصنيفات الائتمانية، الإثنين، تصنيف لبنان من “A” إلى “C” في تموز 2020 ممّا صعّب أكثر فأكثر عملية استقرار مع تلاشي الثقة بين المودعين والقطاع المصرفي، ومع مرور الأشهر ومن بعدها السنوات استمرّ لبنان بالغرق وصولاً إلى هذه اللحظة وانخفضت قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار من 1507 إلى ما قارب الـ 150 ألفاً في آذار 2023، مع العلم أن أواخر 2022 كان سعر الصرف يقارب الـ 40 ألف ليرة مقابل الدولار، لكن موازنة العام نفسه شرّعت زيادات غريبة بعيداً عن المنطق للرواتب من دون إصلاح وأغرقت البلاد أكثر فأكثر بالتضخّم خصوصاً مع طبع كمّيات هائلة من العملة وزيادة الكتلة النقدية بالليرة مقابل الدولار.

ووافق مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال ظهر اليوم الخميس على اعتماد منصة “بلومبورغ” عوضًا عن منصة صيرفة وفق ما أعلن وزير الاعلام زياد مكاري في مؤتمرٍ صحافي، وكان ميقاتي قد قال في الجلسة: “هناك ملفات اقتصادية واجتماعية صعبة جدا، أهمها تفلّت أسعار السلع والمواد والخدمات والأقساط الجامعية والمدرسية وفواتير الاستشفاء وأسعار التأمين والحاجات الأساسية. الحكومة مسؤولة عن الأمن الاقتصادي والصحي والغذائي، وأدعو الوزارات والجهات المعنية الى مراقبة الأسعار وحماية المواطنين من أخطار الجشع وإنزال العقوبات بالمخالفين الذين يبتزون الناس ويستنزفون قدراتهم”.

ما هي منصّة “بلومبرغ” وكيف تعمل؟

رأى الصحافي المتخصّص بالشأن الإقتصادي موريس متّى أن الآلية التقنية لعمل منصة “بلومبرغ” قيد الإنتظار كون لا وضوح حول كيفية عملها.

متّى وفي حديثٍ لـkataeb.org قال: “هناك معلومات تفيد بأن مصرف لبنان لن يتدخل بعمل هذه المنصّة من ناحية تأمين الدولارات المطلوبة وبالتالي سيكون كسائر المتعاملين عبرها في السوق من خلال شراء وبيع الدولارات، وبالتالي تأمين الدولارات للمنصّة سيكون حتماً من السوق، وقد يتدخّل المركزي في ظروفٍ مُحدّدة وبطرقٍ محدودة”.

وأضاف: “الجميع بإمكانه الإستفادة من “بلومبرغ” من موظفي القطاع العام إلى غيرهم من الأفراد، من خلال التوجّه إلى المنصّة والبحث عن عرض الدولارات لشرائها، وأعتقد أن سعر صرف الدولار مع انطلاق هذه المنصّة لن يكون بعيداً عن سعر “صيرفة” على أن يُحدِّد العرض والطلب السعر على غرار أي بورصة، أمّا الدولارات المطلوبة أو المعروضة عليها فستكون أشبه بالأسهم”.

وتابع: “منصّة “بلومبرغ” قد تكون مرحلية لشهرٍ أو شهرين وليس أكثر لأن لبنان بحاجة لانتظامٍ مالي وبحاجة للإنتقال إلى المرحلة المقبلة وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، تشريع موازنات إصلاحية وإقرار القوانين المطلوبة وصولاً إلى تحرير سعر الصرف تدريجياً أو الـ”floating rate” وحينها سيكون السوق هو المُحدّد الأساسي لسعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية”.

وفي سياقٍ مُتّصل أشار متّى إلى أن تأمين الدولار للمنصّة هو بمثابة تحدٍّ، وسأل: “هل الدولار الموجود في السوق سيكون مؤمناً على المنصّة للراغبين بشراء الدولار؟ وكم سيبلغ سعر الصرف على “بلومبرغ”؟ وما هي الآلية التي سيتمّ اتّباعها لإتمام عمليات العرض والطلب؟”

وقال: “يمكن القول إن هناك مطلباً واضحاً من الجهات الدولية والمنظمات للسيطرة على الإقتصاد النقدي في لبنان “cash economy” لأنه لا يمكن استمرار العمل تحت عباءة اقتصاد مبني على مخاطر مُرتفعة من تبييض الأموال إلى العمليات المشبوهة كون حجم “السيولة” من الكتلة النقدية كبير جدّاً، ووفق تقريرٍ للبنك الدولي يُشكل حجم الإقتصاد النقدي في لبنان ما يوازني الـ10 مليارات دولار، وهذه الجهات طلبت من المركزي التخفيف من حجم السيولة بطريقةٍ مُنظّمة، ويعتبرون أن هذه المنصّة من شأنها أن تجذب بعض الدولارات لأنها ضمن “هيئة ناظمة”.

وأضاف: “يعتقد مصرف لبنان أن هذه المنصّة قد تساعد على الحدّ من المضاربات، و”بلومبرغ” تحتلف عن “صيرفة” بأن المركزي لن يتدخل في السوق وسيلعب دور الـ”regulator” أو المُنظّم لعمل المنصّة”.

ولفت إلى أي نتيجة سلبيةٍ كان أو إيجابية على النقد في المرحلة المُقبلة تتعلّق بعواملٍ عدّة أبرزها:

أولاً آلية العمل عبر منصّة “بلومبرغ”،

ثانياً بسعر الصرف عبرها وهل فعلياً سيكون وفقاً للعرض والطلب الموجدين في السوق؟

ثالثاً هل العرض الفعلي للدولار في السوق بإمكانه تلبية الطلب الفعلي في السوق؟

رابعاً ما هي آلية كبح المضاربات عبر هذه المنصّة؟

وقال: “هذه أمور يجب أن تتحدّد من خلال الإجراءات الناظمة والتنفيذية لـ”بلومبرغ”.

تعامل سلامة مع الأزمة

من المؤكّد أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة السابق وهو حاكم المنظومة المُفضّل الذي أقرض الدولة من دون ضوابط من أموال المودعين، لم يقُم بأي خطوةٍ نقدية من دون “رضى” الفريق الحاكم وفريق السلاح المُسيطر على مُقدرات الدولة، فبعد سياسات الدعم التي حوّلت أموال الإحتياطي المركزي بالعملة الصعبة من حسابات المودعين إلى جيوب المحتكرين، تم ابتداع منصة صيرفة لبيع الدولار بسعرٍ مدعوم وهي طريقة جديدة لتدخل المركزي بالسوق في محاولةٍ لتهدئة سعر الصرف وتأمين الحدّ الأدنى من رواتب القطاع العام بسعرٍ أقلّ من السوق الموازية، لكن مع تعذّر تعيين حاكم أصيل مع نهاية ولايته بسبب تعطيل الممانعة للإنتخابات الرئاسية وتمدّد الفراغ الرئاسي تم تعيين نائبه الأول وسيم منصوري حاكماً بالإنابة، وكان منصوري قد أعلن نيّته إلغاء منصّة صيرفة كونها تتطلّب تمويلًا من المركزي، واعتزم إنشاء منصة بديلة لا تتطلب تدخل مصرف لبنان بالسوق.

إذاً الإختلاف بين منصّتي “صيرفة” و”بلومبرغ” جوهري وينقل الوضع النقدي للإقتصاد اللبناني من مرحلةٍ إلى أخرى، فبعد سنواتٍ طويلة من تدخّل المصرف المركزي مباشرةً في السوق عبر دعم سعر صرف الدولار مقابل الليرة، سيتوقف مصرف لبنان عن ضخّ الدولارات في السوق، ومن خلال المنصّة الجديدة سيقوم بتنظيم عمليتي بيع وشراء الدولارات، لكن أسئلة عديدة تطرح عن أُفق المنصّات الإستثنائية بظلّ الظروف الصعبة في لبنان، مدى استفادة المضاربين من عدمه وإن كان اللبنانيون سيتسفيدون فعلاً ولكن ليس على حساب ودائعهم هذه المرّة، كون للأزمة قرار سياسي بغطاء السلاح سمح بتفاقمها ومنع الإصلاحات للخروج منها، وفي حال طال أمد الفراغ الرئاسي واستمرار “دولة” تصريف الأعمال بتصريف الأقوال لن يكون هناك أي حلّ جذري، بل “العاصفة” إلى اشتداد.

المصدر: Kataeb.org
الكاتب: شربل دياب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى