عربي ودولي

السفارة الأوكرانية في ذكرى “هولودومور”: لا بد لجميع الدول من الاعتراف بهذه الإبادة الجماعية حتى لا تتكرر تلك المآسي

نصب تذكاري في كييف خصص لتخليد ذكرى ملايين الأوكران الذين لقوا حتفهم خلال المجاعة الممنهجة التي قام بها الاتحاد السوفيتي

وزعت سفارة أوكرانيا في لبنان بيانا في ذكرى “هولودومور”، جاء فيه: “يستخدم الأوكرانيون كلمة “هولودومور” للاشارة الى المجاعة من خلال القتل بالتجويع التي سببتها السلطات السوفياتية في الفترة 1932 – 1933.

منذ أن وجدت البشرية، حدث العديد من الحروب، وتغيرت الحدود، وتشكلت الإمبراطوريات، وظهرت الديكتاتوريات، إلا أن كلمة “القتل بالتجويع” كانت ولا تزال تكاد تكون الأكثر فظاعة، فهي تتعلق برفض العالم للإنسانية والتدمير المتعمد للإنسان على أساس إيمانه أو أصله العرقي أو القومي، وفي الواقع، حول تدمير الشخص ببساطة بسبب هويته.

في رابع سبت من شهر تشرين الثاني من كل عام، تحيي أوكرانيا ذكرى الملايين من ضحايا القتل بالتجويع (هولودومور). تعد المجاعة الكبرى (هولودومور) واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية في تاريخ العالم. نتيجة لسياسات السلطات السوفيتية، تم قتل ملايين الأشخاص في أراضي أوكرانيا في الفترة 1932-1933. لقد تم تجويع الأوكرانيين حتى الموت بسبب جنسيتهم ولغتهم وهويتهم، وهي أمور كانت غير مقبولة بالنسبة للآلة الشمولية الشيوعية الدموية التي كانت تقود إلى ما كانت تسميه “مستقبل شيوعي مشرق!”.

في العام 1931 كان ستالين يبدو منتصراً. واجبر معظم المزارعين إلى الانضمام إلى المزارع الجماعية التي فرضها. حيث كانت للدولة السيطرة الكاملة على منتجات عملهم ومجمل محاصيلهم. وفي ذلك العام – ومع تحقيق حصاد قياسي في المزارع الجماعية – تم تصدير كل الحبوب المحصودة تقريبا. وفي ربيع العام 1932 بات واضحا أن هذا التصدير كان نصراً باهظ الثمن؛ فنتيجة لتصدير الحبوب الأساسية في العام 1931 ضربت المجاعة مناطق عديدة من أوكرانيا.

وبحلول صيف عام 1932 حدثت موجة هائلة من احتجاجات الفلاحين الذين يعانون من المجاعة الجماعية، وقد أعقب ذلك نزوح جماعي لأسر المزارعين من المزارع الجماعية.

إن أحداث الثورة الأوكرانية جعلت ستالين يطالب بأن تحل جميع المشاكل بضربة واحدة من خلال التغلب على مقاومة المزارعين والمثقفين والشيوعيين القوميين من خلال استخدام السلطة، واضطهاد الشعب المتمرد، إذ لا يمكن تحقيق كل هذه الأهداف إلا من خلال الإبادة الجماعية.

جاءت هولودومور نتيجة لسياسة الكرملين المخطط لها بوضوح. كانت المرحلة الأولى من الجريمة هي المصادرة الجماعية لجميع أنواع الطعام من القرى، وليس فقط الحبوب كما كان الحال في السابق”.

أضاف: “في كانون الثاني من العام 1933 قام الناشطون المدربون بتفتيش منازل الناس، حيث أخذوا كل شيء يؤكل، وأطاحوا بملايين الناس إلى هاوية المجاعة الجماعية. بدأ الناس يهربون من المناطق المنكوبة بالمجاعة، فنفذت استراتيجية أخرى، وهي عزل الجياع، أحيطت المزارع والقرى الجماعية المدرجة في “اللوائح السوداء” بالفصائل من أعضاء الشرطة والخدمات الخاصة السوفياتية وأزيلت جميع مخازن الطعام، وحظرت تجارة واستيراد أي سلع في المزرعة أو القرية. كان هذا بالنسبة للمقيمين حكم إعدام.

في كانون الثاني 1933 حظر النظام مغادرة المزارعين من أراضي أوكرانيا وألقي القبض على أولئك الذين نجحوا في مغادرة أماكنهم، وتمت إعادتهم.

كان إخفاء حقيقة المجاعة عن بقية العالم ركنا أساسيا في عملية الإبادة الجماعية. في الوقت نفسه، رفض النظام الستاليني المساعدات الخارجية، بل أجبر مواطنيه على رفض الطرود أو التحويلات المالية التي يتلقونها من الأقارب أو المحسنين الأجانب.

تفاقم الوضع وبدأت المجاعة الكبرى، وبلغت ذروتها، أزهقت هولودومور أرواح الماليين من البشر، دمرت هولودومور عائلات لا تعد ولا تحصى من خلال الموت والترحيل والهجرة بحثا عن الطعام. تم تقسيم المجتمع وحتى الزوج والزوجة من العائلة نفسها قسرا وبشكل منتظم من قبل أجهزة الدولة كعقوبة لعدم الوفاء بحصص توفير الحبوب.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كرمت الحكومة الأوكرانية علناً الضحايا الأبرياء في هولودومور، وصدر قانون بشأن الهولودومور في العام 1993. أصبحت هولودومور جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية للشعب الأوكراني. يشعل الأوكرانيون الشموع في نوافذهم كرمز لذكرى أولئك الذين قُتلوا بسبب المجاعة، وتقام في هذا اليوم العديد من الفعاليات التذكارية، وتعلن فترة حداد.

على مستوى العالم، ففي 9 كانون الثاني 1948، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”. إلى ذلك خلصت لجنة الكونغرس الأمريكية التي أجرت في الفترة 1985- 1988 أبحاثا في المجاعة في أوكرانيا إلى أن “جوزيف ستالين وحاشيته قاموا بعمل إبادة جماعية ضد الشعب الأوكراني في 1933-1932”. فتحت استنتاجات اللجنة الطريق للاعتراف الدولي بـهولودومور كجريمة إبادة. في السنوات التالية أدينت هولودومور باعتبارها إبادة جماعية من قبل حكومات الكثير من الدول منها: إستونيا، أستراليا، كندا، هنغاريا الفاتيكان، ليتوانيا، جورجيا، بولندا، البيرو، باراغوي، الإكوادور، كولومبيا، المكسيك، لاتفيا، البرتغال، الولايات المتحدة الامريكية، التشيك، البرازيل، الأرجنتين، أسبانيا، تشيلي وسلوفاكيا. كما قررت العديد من بلدان العالم الأخرى إدانة جريمة الإبادة الجماعية على المستوى الإقليمي والمحلي. نصبت تذكارات أو علامات تذكارية أخرى في أكثر من 40 مدينة من 15 دولة لإحياء ذكرى ضحايا هولودومور. إن هذا النوع من الاعتراف من جانب العالم هو أفضل ضمان ضد جرائم مماثلة يمكن أن تحدث مرة أخرى في تاريخ الإنسانية.

على مستوى اليونيسكو، فقد صدر قرار بموضوع الهولودومور عن المؤتمر العام، بإجماع 193 دولة بتاريخ 1 تشرين الثاني 2007.

من المعلوم أن العديد من الدول في العالم تعرضت لما يشبة هولودومور، ومن بينها لبنان الذي تعرض للمجاعة الكبرى في الفترة من (1915 إلى 1918) وهي كانت فترة تجويع جماعي خلال الحرب العالمية الأولى. لذلك، وحتى لا تتكرر تلك المآسي لا بد لجميع الدول من الاعتراف بأن ما حصل في أوكرانيا وسواها من الدول من تجويع اصطناعي يعتبر إبادة جماعية بالتجويع، كما لا بد من ايجاد آلية دولية تضمن عدم استغلال التجويع كوسيلة ضغط في الحروب أو كوسيلة ضغط لتحقيق أي من الأهداف السياسية أو ما سواها.

لقد تركت هذه الجريمة السوفياتية جروحاً غائرة في جسد الأمة التي أرهقتها الإبادة الجماعية من أمرها عسراً – ومن أجل التئام هذه الجروح، علينا تسمية الجريمة باسمها الصحيح، والتحدث عنها صراحة، ومعارضة كل ما له صلة بــظهور “ستالينيين” جدد ومجابهتهم، تماماً كما يحصل اليوم في أوكرانياً، حيث يظهر مرتكب جديد للإبادة الجماعية وهو بوتين، وهذه المرة من خلال القتل والتهجير والتدمير والاحتلال بالإضافة الى استخدام التجويع كوسيلة للحرب والضغظ”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى