سياسة

كلمة الرئيس نواف سلام بعد جلسة الثقة

سيداتي وسادتي،

لقد استمعت جيدًا إلى ملاحظاتكم واقتراحاتكم العديدة، وسنتعامل معها بكل جدية. كما استمعت إلى أصوات المواطنين والمواطنات وتلقيت الكثير من الآراء والأفكار والمطالب، وسنعمل على إعطائها الاهتمام اللازم. سنسعى إلى تعزيز ثقتكم وثقة المواطنين بنا، فنحن حكومة متضامنة ومتنوعة، وسنعمل على تأكيد ذلك في سلوكنا، معتمدين لغة المصارحة والحوار، واضعين نصب أعيننا تحقيق المصلحة الوطنية العليا في عملية الإصلاح وإعادة بناء الدولة.

عندما نقول “نريد”، فهذا ليس مجرد تمني أو مناشدة، بل هو التزام. لذلك، استخدمنا في البيان الوزاري عبارة “تلتزم الحكومة”، بينما أبقينا على تعبير “نريد” عند الحديث عن الدولة، كونه يعكس الهدف الذي نسعى لتحقيقه. البيان الوزاري لم يتضمن تفصيلًا كاملاً للسياسات الحكومية، وهذا أمر طبيعي، إذ إنه ليس برنامج عمل تفصيليًا، بل هو نص يحدد المبادئ العامة التي تلتزم بها الحكومة، ويضع الأهداف ويرسم التوجهات العامة. ولكن لا شك أننا سنضع خططًا تنفيذية تفصيلية قريبًا، وسنكون مستعدين لمناقشتها معكم ومحاسبتنا عليها.

مبدأ تشكيل الحكومة وآلية عملها
لقد شُكّلت هذه الحكومة بمرسوم صادر بالاتفاق مع فخامة رئيس الجمهورية، وفقًا لما ينص عليه الدستور، والتزمت بالمعايير التي أعلنت عنها مرارًا وتكرارًا. ومن المهم التأكيد على أننا لسنا في نظام برلماني مجلسي، فالحكومة ليست برلمانًا مصغرًا، بل نحن في نظام ديمقراطي برلماني، وحان الوقت للعودة إلى الممارسة السليمة لهذا النظام، بحيث تكون هناك أكثرية داعمة للحكومة وأقلية معارضة. وبينما نشكر من سيمنحنا الثقة، فإننا نلتزم بالإصغاء إلى الانتقادات البنّاءة، بعيدًا عن المهاترات أو التحريض أو إثارة النعرات الطائفية.

أولويات الحكومة: الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار
إن تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية هو أولوية قصوى لحكومتنا. موقفنا واضح ولا لبس فيه، وسنطالب بتنفيذ الانسحاب وفق الحدود الدولية المنصوص عليها في اتفاقية الهدنة لعام 1949. منذ تأليف هذه الحكومة، وقبل مثولنا أمامكم، بدأنا حملة دبلوماسية واسعة لشرح موقفنا وكسب التأييد الدولي والعربي لإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها للسيادة اللبنانية، وتنفيذ القرار 1701، والانسحاب الكامل من أراضينا. كما أكدنا في البيان الوزاري على حق لبنان في الدفاع عن نفسه وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

أما فيما يخص إعادة الإعمار، فإن الحكومة تدرك واجبها في إنشاء صندوق خاص ومستقل لهذا الغرض، يدار بطريقة شفافة، ويكسب ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي والجهات المانحة، من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب، ومعالجة تداعياتها الاجتماعية. ونؤكد أننا لن نقبل بأي مقايضة بين مساعدات إعادة الإعمار وأي شروط سياسية.

الإصلاحات السياسية وتطبيق اتفاق الطائف
لقد تم توجيه انتقادات لنا بأننا لم نذكر الإصلاحات المطلوبة من اتفاق الطائف، إلا أننا في البيان الوزاري أكدنا بوضوح على ضرورة تطبيق جميع بنود هذا الاتفاق. فقلنا: “نريد دولة وفية للدستور ووثيقة الوفاق الوطني التي أُقرت في الطائف”. ويقتضي هذا التزامًا بتطبيق البنود التي لم تُنفذ بعد، ومنها:
• اللامركزية الإدارية الموسعة، التي بقيت حتى اليوم دون تنفيذ رغم إقرارها في المجلس النيابي.
• إلغاء الطائفية السياسية تدريجيًا، عبر تشكيل “الهيئة الوطنية” المولجة بدراسة وإيجاد الآليات المناسبة لذلك، كما ينص الدستور.
• إنشاء مجلس الشيوخ، وفق ما نص عليه اتفاق الطائف، وهو بند لم يُنفّذ حتى الآن.
• إصلاح النظام الانتخابي، بما في ذلك إعادة النظر في صلاحيات المجلس الدستوري وآلية تعيين أعضائه.

ندرك أن الإصلاح السياسي لا يكتمل إلا بتطبيق كامل بنود وثيقة الوفاق الوطني، وسنعمل جاهدين لتسريع هذه العملية، بدلًا من تضييع المزيد من الوقت في المماطلة وإضاعة الفرص.

الإدارة العامة والتعيينات
تدرك الحكومة أن مؤسسات الدولة تعرضت خلال السنوات الماضية لحالة من الشلل والتفكك. لذلك، فإن من أولوياتنا إصلاح هذه المؤسسات، بل وإعادة بنائها في بعض الحالات. سنبدأ قريبًا جدًا بملء الشواغر الأساسية بكفاءات تتمتع بالجدارة والاستحقاق، وفق آلية شفافة تستند إلى دور مجلس الخدمة المدنية، وتتيح حسن التقييم والاختيار. كما سنطبق المادة 95 من الدستور بشأن التوازن في التعيينات الإدارية.

وبالتوازي مع التعيينات، لن نتهاون في تعزيز الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وسنعمل على تفعيل الإدارة العامة، ومحاربة الهدر والفساد، وتحسين أوضاع الموظفين الذين تضرروا نتيجة الأزمات، إضافة إلى تحسين أوضاع العسكريين.

الكهرباء والبنية التحتية
ملف الكهرباء هو في صدارة هموم المواطنين، وسنعمل على تحسين الجباية ووقف التعديات على الشبكة، مما سيسهم في زيادة ساعات التغذية وضمان التوزيع العادل بين المناطق. كما سنسارع خلال الأسابيع المقبلة إلى تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، لتؤدي دورها في وضع حلول مستدامة.

أما في ما يخص استخراج النفط والغاز، فقد بدأنا بالفعل التواصل مع الشركات والدول المعنية، وسنعمل على تسريع عمليات التنقيب لما فيه مصلحة لبنان.

النازحون السوريون والعلاقة مع سوريا
تضع الحكومة قضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم ضمن أولوياتها، وقد أكدنا ذلك في البيان الوزاري. إن تحقيق عودة مستدامة للنازحين يتطلب خطة واضحة وحوارًا صريحًا وجديًا مع السلطات السورية، إلى جانب التنسيق مع وكالات الأمم المتحدة المعنية. كما سنعمل فورًا على عقد أول اجتماع لبناني-سوري رسمي لمراجعة الاتفاقات بين البلدين، بما يحقق مصلحة لبنان.

الوضع القضائي والسجون
تتطلب أوضاع السجون اللبنانية معالجة سريعة، بل عاجلة. سنعمل على تسريع المحاكمات، والتمييز بين الموقوفين والمحكومين، وضمان الإفراج عن الموقوفين الذين تجاوزوا فترة التوقيف الاحتياطي القانونية. كما سنعمل على تحسين أوضاع السجون وتأمين الحقوق الإنسانية للمساجين، بالتوازي مع إصلاح القضاء وضمان استقلاليته.

ختامًا
أمامنا عمل كثير، والتحديات هائلة، لكننا ملتزمون بالمصارحة معكم، والعمل على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة. نعلم أن التغيير لن يكون سهلًا، ولكننا سنمضي قدمًا بكل جدية ومسؤولية.

شكرًا لكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى