“زغلول”… حين تكون الطيبة وجهًا آخر للفن

بقلم: خالد عياد
موقع الصحافة اللبنانية الدولية
لا يمكن لمن يعرف الفنان فؤاد حسن أن يختصره بكلمة “ممثل”، أو أن يكتفي بصفته كأحد نجوم فرقة “أبو سليم الطبل”. فؤاد، الذي عُرف على الشاشة بشخصية “زغلول”، هو في الحقيقة إنسان نادر الطينة، يحمل قلبًا من نور، ووجهًا يُشبه أيام الزمن اللبناني الجميل.
منذ سنوات وأنا أعرف هذا الرجل. ليس فقط كممثل يُضحكنا على المسرح، بل كصديق يُشبهنا.. فؤاد حسن من أولئك الذين يملكون قدرة فطرية على بثّ الراحة، وعلى الإنصات للآخرين بمحبة حقيقية. في صوته دفء لا يُشبه إلا دفء الأمّهات، وفي ملامحه حياءُ الإنسان البسيط، المتواضع، الذي اختار الفن ليخدم الناس، لا ليعلو عليهم.
وهو إلى جانب صداقته الصادقة لي، صديقٌ وفيّ للفنان الكبير صلاح تيزاني (أبو سليم)، وقد رافقه في العديد من المسارات الفنية، والمهرجانات، واللقاءات التي كانت تجمع بين الضحكة والرسالة. لم يكن فؤاد مجرد عضو في الفرقة، بل كان روحًا حقيقية في جسد هذا الفريق الشعبي العريق، الذي شكّل ذاكرةً لأجيال.
في لقاءاتي معه، لم يكن الحديث عن الشهرة أو المجد، بل عن المعاناة اليومية، عن الفن كرسالة، عن بيروت التي يحبّها رغم كل ما جرى، وعن الناس الذين كان يضحكهم دون أن ينتظر مقابلًا سوى دعوة من القلب.
وعلى الرغم من قسوة الظروف، ظل فؤاد صلبًا ناعم الروح. خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، استُهدف منزله في منطقة الجناح، وأُصيب هو وزوجته الفنانة علا، لكنهما لم يستسلما. نهضا من بين الركام كما ينهض الفن الحقيقي من تحت الرماد، يلوّح بالحياة رغم الألم.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالدور الإيجابي والحقيقي الذي تقوم به نقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون في لبنان، ممثلة بالنقيب الأستاذ نعمة بدوي، الذي يعمل بجهد واضح وتنظيم دؤوب لحفظ حقوق الفنانين، وصون كرامتهم، والوقوف إلى جانبهم في لحظات العطاء كما في لحظات المحنة.
وإنه لشرف كبير لي أن أعتبر نفسي فردًا من أبناء هذه النقابة، ومن أسرتها الفنية النبيلة. فهم أهلٌ، وإخوة، وأصدقاء، وما يجمعنا ليس فقط الفن، بل المحبة والوفاء والرسالة.
إن فؤاد حسن، بالنسبة لي، ليس فقط صديقًا عزيزًا، بل هو مثال حيّ على أن الطيبة لا تُضعف الفنان، بل تمنحه قوّة أخرى… قوّة الصدق، والتواضع، والوفاء.
هو من أولئك الذين يجعلونك تؤمن أن الفن لا يزال بخير، طالما فيه وجوه كوجه فؤاد، وقلوب كقلبه.
وفي هذا الزمن الذي يزداد فيه القسوة والسطحية، تبقى شخصيّات مثل فؤاد حسن ضرورة إنسانية، وفنية، ووطنية… لأنها تذكّرنا بأن الطيبين هم الأجمل، وإن صمتوا، وإن تألموا، وإن غابت عنهم الأضواء.