ثلاثة وعشرون عاماً مرّت على تحرير الجنوب.. سيعبر المقاومون يوماً
بقلم: الزميلة رنا الساحلي
تصوير: خالد عياد
ثلاثةٌ وعشرون عاماً مرّت وجيل وُلِد ليعيش على مجدٍ لم يشعر به ولم يراه فظن أن كل شيئ في وطننا بخير.
ثلاثة وعشرون عاماً وصانع الانتصارات يُراكم بخبراته العسكرية والإعلامية والنفسية.
يبني ثقة بين أبناء شعبه ويدبُ الخوف والرعب في قلوب الأعداء
تراكم الخبرة لدى المقاومة مرّ بمحطات عدة بعد الإنتصار الكبير أبرزها حرب تموز ٢٠٠٦ والقتال في سوريا عام ٢٠١٢ دفاعاً عن المقامات المقدسة بعد التهديدات المباشرة والعالمية من قبل التكفيريين ولحفظ سير الصواريخ بمساراته الآمنة ليصل العتاد إلى المقاومة الفلسطينية.
هذه الحرب أعطت تميزاً وخبرة فاق نظيرها بين الجيوش خاصة أنها كانت ضمن أرض تختلف طبيعتها عن أرض الجنوب اللبناني، فيما حرب الجرود ٢٠١٧ أضفت قوة وطرقاً جديدة في أساليب القتال بسبب طبيعة الأرض وتضاريسها الحادة ومناخها البارد شتاءً والحار جداً في الصيف.
كل هذه العوامل جعلت من “الحزب” ورجاله يملكون قدرات ويراكمون خبرات ويعملون على إيجاد عوامل تحاكي قوات ردع وهجوم تفوق كل التكتيكات العسكرية.
أدرك “الحزب” باكراً أن العمل العسكري بحاجة إلى عوامل أخرى متعددة فكانت الكاميرا العنصر الذي واكب كل العمليات العسكرية ليخدم الذاكرة البشرية والتخطيط العملي ويضغط بمرحلة أخرى نفسياً على العدو من خلال إظهار هزائمه وخسائره البشرية والمادية والمعنوية.
رافقت كاميرا الإعلام الحربي كل عملية قام بتجهيزها المقاومون، فكانت الكاميرا سلاحاً نوعياً سجل كل ضربة قام بها المجاهدون وكل هجوم على مواقع العدو الصهيوني، وتجدر الإشارة إلى أنه استشهد الكثير من الإعلاميين خلف عدسة الكاميرا لأجل إيصال الصورة والحقيقة كاملة وإذلال العدو أمام ملايين الشاشات.
قوة الأداء العسكري رافقته مهارات جسدية فاقت قدرات قوات خاصة. القناصة بمهارات لا تخطئ الهدف، كل هذا كان ضرباً من الجنون أن تشاهد هذه القدرات لدى شباب عربي آمن بقضيته حتى آخر نفس وآخر قطرة دم ولأجل آخر شبر من الأرض.
قدرات وطاقات تنامت على مدى الأيام فكانت كل حرب من هذه الحروب تضفي رونقاً خاصاً على هؤلاء وبصورة خاصة جيل الشباب الجديد الذي استطاع أن يتفوق بقدراته الجسدية ومهاراته العالية في شتى الميادين.
في يوم ٢١ أيار ٢٠٢٣ وبعد أن دعت العلاقات الإعلامية في “الحزب” الإعلاميين لمواكبة خاصة وجهاً لوجه مع المقاومين وإن كان بينهما قناع من القماش، لكن الأرواح استطاعت أن تلامس الجميع في صبيحة هذا اليوم كل الجموع كانت متلهفة لرؤية المقاومين في المعسكر والاسئلة تتوالى هل سنشاهد شيئاً جديداً؟ هل ستكون استعراضاً صغيراً كما عهدنا في يوم القدس لبعض الأسلحة والذخائر فيما قوات تتسلق المباني على حبال!.
اختلف المشهد منذ أول وطأة قدمٍ، صفوف مرصوصة وأقنعة أنيقة ترقب الحدث، إلا أنها كل الحدث. وقف الجميع كل في منزلته الخاصة وعلم الحبيب مكانته فتدلل، هناك حيث الاقنعة الخاصة على دراجات نارية تنتظر الإشارة للبدء، مناورة بدأت باستعراض قوة جسدية وعتاد وعديد.
النخبةُ الشابة وديعة العماد قدّمت من روحه بعضاً من القتال، فالروح هي من تقاتل لأجل انتزاع الحق هي من تهيم عشقاً للوصول إلى الهدف.. هم فتية آمنوا بربهم فزادهم إيماناً.
مناورة بدأت باقتحام موقع تشبيهي للعدو الصهيوني بات فتاتاً تناثر كرماد في الهواء رائحة البارود، عبقت المكان وكأنك في معركة حقيقية يقودها رجال رجال امتلأت السماء بطيور أبابيل معدنية معركة السباق مع التكنولوجيا حرب الادمغة وأيوب الصابر في كل تكتيكات العسكر.. ما بعد بعد حيفا فكل النقاط مباحة إن أخطأت إسرائيل حساباتها، هدف واحد سيتحقق عاجلاً أم آجلاً. كاريش نقطة في بحر المهمات وما خُفي من تلك القدرات أعظم.
عابرون والجدار الوهمي سيتمزق سيصبح بيتاً للعنكبوت… قدراتٌ خارقة تجاوزت حدود العين التي تُرى وكأن صنّاع الأفلام اختبأوا ها هنا…. أبطال على دراجات نارية وبحركات خفيفة كانوا كطير (الجكجكين) حلّقوا غطوا على الأرض كنسورٍ في قعر وادٍ عميق حملوا العتاد وكأنه ريشة تشقلبوا وكل حركة تزداد معها حماوة المعركة.
تصفيق حار يقطع الأنفاس من قبل الإعلاميين والضيوف الذين جاؤوا من كل حدب وصوب … هل حقاً هؤلاء بيننا؟! هل فعلاً انهم حقيقيون؟ هل انعقد بيت العشق في تلك الأرض المباركة لنشاهد حلماً ما كنا نعلمه ما كنا ندرك كنههم… أليسوا هم أبطال القصير وآباؤهم أبطال الصافي والرفيع وياطر وميدون!.
يشيحُ نظرنا إلى اليمين قليلاً، قلةٌ من هؤلاء يدخلون حلقة من النار لا يهابون الجمر وكأنهم يحاكون بيت العنكبوت الجاثم على بعد عشرات الكيلومترات… وخلف ذاك الحائط سيزول ويعبر هؤلاء، ففي أي معركة لن يحتاجوا الى الكثير، فكل المقومات باتت جاهزة، هم طيورٌ صقور جنود هائمة سيملؤون السماء ويخترقون الحجب ولا شيئ أمامهم مستحيل… سيعبرون.. هذا وعدهم وكل قدراتهم الجسدية الاحترافية تؤكد أنهم أعدوا العدة، فكل شيئ اختلف عن عام ١٩٨٢، القلة أصبحت جيوشاً تقهر الأعداء تهزمهم… يحسبون لهم الف حساب .
مناورة مدتها الساعة ونيف هزّت بيت العنكبوت أقلقت مضجعهم، يسألون عن السبب والتوقيت والغاية والأهداف يبحثون في كل التفاصيل خوفاً من الآتي خوفاً من كل ما هو حقيقي.
أدرك الإعلاميون أن هذا العرض ما هو إلا جزء بسيط من أسرار المقاومة، فهي لن تعطي إلا سطراً واحداً من كتابها الكبير، لم تعطِ إلا عنواناً صغيراً من كلمة سنعبر، فهم الجميع أن القضية واحدة ولن يتركها هؤلاء، رسائل متعددة أرسلت بمناورة قدّمت وحدة الساحات والمصير والمسار، فكل نبض عند هؤلاء مقاومة. وكان قد أعلنها أمين عام “الحزب” أن أي ضربة قد تكون في الداخل اللبناني ولو استهدفت فصيلاً فلسطينياً، فلن يسكت “الحزب”.
بالذخيرة الحية استرجع بعض الإعلاميين الحربيين معاركاً حقيقية عادت في ذهنهم، لكن قدرات اليوم اختلفت، تفوقت على السلاح والتكنولوجيا، كل شيئ كان يشبه ساحة المعركة بوفائها وقوتها وجرأتها. شارف اليوم على الانتهاء، متعبون لكن الفرحة والاعتزاز تفوقت على التعب، التعب وكل ما قدم أمامنا حقيقي حتى انقطاع النفس.. التعب وما قدمه هؤلاء بحر من القوة التي لا يمكن الغوص فيها.
كلهم عقدٌ واحد مرصوص جوهر واحد وإن اختلفت التسميات، متفوقون في العسكر في القدرات، في الحرب الإعلامية، متفوقون في الحرب النفسية، متفوقون بالأمن والحماية، بالارادة والأمل والوفاء متفوقون باختصار بالقدرات، كلهم هناك في تلك الأرض تناغموا أدووا عملهم بكل وفاء رغم كيظ أيار وحرارته، كلُ ابتسم للمدعويين حتى أولئك الذين لم نشاهد إلا عيونهم، كانت العيون ترحب بالجميع.
استطاع “الحزب” مجدداً أن يكسب معركة جديدة في حروبه المستمرة مع الكيان الصهيوني، استطاع مجدداً أن يقطف ثمار أيار بعد ٢٣ عاماً من التحرير… هو تحرير العقل من العبودية تحرير جديد في رصيد “الحزب” هو تحرير الأفكار وجعلها طوعاً بين يدي الناس…
تحرير يجعل من يحبه يدرك ان لا خوف عليهم، فهناك في تلك القرى من يحرسهم عندما يغفون، هناك من وضع معادلة ردع تجعل من الإسرائيلي يهاب من أن يتصرف بحماقة قد يقدم عليها أو جنون، فهناك سيعبرون سيمتشقون السلاح من دون رفة عين ويقولون إننا بكل بأس، أمام أعينكم، قادمون وإليك يا قدس عابرون.
جانب من الصور المناورة بعدسة الزميل خالد عياد