الشيخة هند مجذوب آل ثاني تعيد الحياة إلى عدلية بعبدا.. والإنارة أولى الإنجازات
كتب المحامي المتدرّج علي الموسوي
“ما شفنا الضو إلّا مَعِك”. بهذه الكلمات العفوية والصادقة والمُعبّرة عن كثير من الفرح والإمتنان والمحبّة، خاطب الرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في جبل لبنان الجنوبي بالإنابة القاضي إيلي الحلو الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني خلال زيارتها قصر عدل بعبدا بعد الإنتهاء من تركيب ألواح الطاقة الشمسية وتأمين الكهرباء لأهمّ عدلية في لبنان من حيث الإمتدادُ الجغرافي والكثافة السكّانية، مع ما يعنيه ذلك من ازدهار في الملفّات والدعاوى والجرائم على تنوّعها، وبالتالي وجود ضغط كبير في العمل لا يضاهيه أيّ أجر فكيف إذا كان الحال مع تدنّي الرواتب وانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية في ظلّ الوضع الإقتصادي الصعب؟!
وعبارة رئيس محكمة الجنايات القاضي الحلو تنمّ عن شعور بالرضا إلى ما آلت إليه حال العدلية من ناحية الكهرباء بفضل الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني، بعدما اعتادت أن تشهد عتمة حالكة في الشتاء يستحيل معها أن يرى الناس بعضهم خلال مرورهم أو وقوفهم في أروقتها الضيّقة والخانقة بانتظار حلول أوقات جلساتهم لدى المحاكم أو قضاة التحقيق.
ولمن لا يعرف، فإنّ هناك مكاتب وأقلامًا في هذا المبنى المسمّى “قصرًا للعدل” لا يدخلها ضوء الشمس لا في الشتاء ولا في الصيف، ولا تصلها الكهرباء والهواء، وذلك بسبب عدم وجود نوافذ فيها مطلّة على الخارج، فضلًا عن تصميمها الهندسي الخاطئ بوقوعها في أمكنة معتمة في الأساس تفتقد معها في كثير من الأوقات إلى التهوئة، وبالتالي لا بدّ من وجود الإنارة فيها طوال ساعات النهار والعمل الذي قد يمتد شتاء إلى الساعة السادسة مساء، مع ما يعنيه هذا التوقيت من ظلمة دامسة. والقاضي والموظّف مضطران إلى “التعايش” مع هذا الواقع المؤلم والمحزن لإكمال المهام والقيام بالواجب تجاه الناس، وإرضاء الضمير بما بتوافق مع العدالة الحقّة.
وما عجزت الدولة عن القيام به على مدى سنوات، وما تملّص منه رجالات الدولة باختلاف مراكزهم، ومنهم من يملك ثروات مالية طائلة “لا تأكلها النيران”، أنجزته الشيخة هند مجذوب آل ثاني في غضون أيّام قليلة بمساع منها ومتابعة حثيثة ودقيقة من مستشاريها القانونيين في لبنان المحامين وجدي الأسعد وزوجته سهى بلوط ونجلهما محمد الأسعد، فأعادت بهذا العمل الإنساني الخيّر، الحياة إلى مبنى العدلية المترهّل في الأصل، والمحتاج إلى صيانة دائمة وعملية إعادة تأهيل، أو استبداله بمبنى آخر يكون على قدر أهل العدل من قضاة ومحامين ومتقاضين.
وقد أغدقت الحكومات المتعاقبة والعهود السياسية المتتالية، الكثير من الوعود بتشييد مبنى جديد أو تأهيل المبنى القائم، دون أن تبادر إلى التنفيذ، ودون أن “تضرب ضربة” واحدة أو أن تجري بعض التحسينات في المبنى الموجود منذ منتصف القرن العشرين تقريبًا، والمصمّم في الأصل لكي يكون مبنى سكنيًا وليس قصرًا للعدل ولا دائرة رسمية.
ووحدها الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني وعدت ووفت على الفور ومن دون أيّ تأخير يذكر، بينما سواها حضر ثمّ تغاضى، وجال في المكاتب والغرف ثمّ اختفى، فزارت عدلية بعبدا وفود أجنبية عديدة ولم ينفّذ أحد مشروعًا واحدًا ممّا وعد به، بينما مع الشيخة هند آل ثاني بدأت الخيرات تتدفّق، وشُرع بالتنفيذ العملي والفوري ولم يقتصر كلامها على إطلاق الوعود، وهذا ما أكّده القاضي الحلو أيضًا والذي تسنّى له بحكم موقعه كرئيس أوّل لمحاكم الإستئناف في بعبدا أن يستقبل وفودًا عديدة وأن يستمع إلى مشاريعها التي بقيت كلامًا معسولًا وحبرًا على ورق إنتهى مفعوله وسقط بلحظته ولم ينتظر مرور الزمن الثلاثي على إطلاقه.
بينما كان الأمر مختلفًا مع الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني، فما أن تمّت مكاشفتها بحاجة عدلية بعبدا الماسة إلى الإنارة، حتّى بادرت عبر مستشاريها إلى التواصل مع شركة متخصّصة في مجال تركيب الطاقة الشمسية وحثّت على إنجاز هذا الأمر بالسرعة القصوى وهو ما تمّ بالفعل في فصل الشتاء حيث العتمة “تأكل” كلّ شيء في عدلية بعبدا التي أعطيت الأفضلية كونها تضمّ أغلبية اللبنانيين وتمتدّ من نهر الأولي جنوبًا إلى المدفون شمالًا ومن محلّة الجناح على شاطئ البحر الأبيض المتوسّط غربًا إلى مشارف جبل صنين والقرى المتاخمة له والتابعة إداريًا لقضاء بعبدا شرقًا.
وإذا كانت الشيخة هند آل ثاني قد أنارت أجزاء كبيرة من عدلية بعبدا، فإنّ حضورها أمس زاد الأمل والتفاؤل بإمكانية إضافة أعمال أخرى تعوزها هذه العدلية، وقد تولّى القاضي الحلو شرحها بالتفصيل وهو الذي يعاني الكثير في مجال تأمين البنية التحتية من ماء وكهرباء وتجهيزات لتسيير العمل في ظلّ وفرة الاهتراءات وقلّة الصيانة، إذ يضطرّ الحلو وبمجهود شخصي وبدافع الحريص على سمعة القضاء وكرامة القضاة إلى الإستعانة ببلدية بعبدا وبعض البلديات المجاورة لتأمين المياه في فصل الصيف، وإلى إجراء الإتصالات اللازمة لتأمين مادة المازوت لتشغيل المولّد الكهربائي الموجود بغية استخدامه عند اللزوم.
وللقاضي الحلو الكثير من الذكريات في عدلية بعبدا وهو إبن الجنوب، “فأنا ربيت هون والعدلية بيتي الثاني ووالدي كان موظّفًا هون وكنت اجي معو أنا وصغير”. هذه “النوستالجيا” وهذا الحنين إلى الماضي، دافع إضافي للقاضي الحلو لتعزيز عدلية بعبدا قدر المستطاع ومن دون انتظار “خيرات” الدولة التي لن تأتي، وهي في الأصل لا ترى في قصور العدل والمحاكم سوى أحد الموارد المادية المهمّة والرئيسة لملء صندوق ماليتها ثمّ صرفها في مشاريع أخرى لا تساوي مهما كبرت وتعاظمت وبلغت من الأهمّية مرتبة، شيئًا أمام أهمّية العدالة في مسار البشرية.
وتحدّث القاضي الحلو مطوّلًا عن الصعوبات التي تواجهها عدلية بعبدا لجهة انتفاء الانترنت وعلى صعيد النظافة ولا سيّما ما يتعلّق بالمراحيض، وشكر الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني على مكرمتها السخية بإنارة العدلية، وهذا ما سهّل كثيرًا على القضاة والمحامين والمتقاضين القيام بأعمالهم بالسرعة الممكنة، وقال إنّه لولا مبادرة الشيخة هند والإنارة من الطاقة الشمسية لتوقّف العمل نهائيًا في صناديق المالية وتعاضد القضاة، وبالتالي توقّفت جباية الأموال نتيجة عدم وجود كهرباء لتشغيل الكومبيوترات، مشيرًا إلى الحاجة إلى المزيد من الإنارة لتشمل كلّ مرافق العدلية “بس الكحل أحسن من العمى” على حدّ قوله.
وكشف الحلو عن معضلة عدم وجود خزنات حديدية لحفظ الأموال المتأتية من الكفالات المالية الكبيرة التي يدفعها الموقوفون عند إخلاء القضاة سبيلهم، وهي قد تلامس مليارات الليرات في ظلّ تدهور قيمة العملة اللبنانية، فوضعت كأمانة في صندوق تعاضد القضاة وبشكل مؤقّت ثمّ جرى تسليمها إلى وزارة المالية.
وأكّدت الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني أنّ الأولوية كانت للكهرباء لأهمّيتها القصوى في حياة الإنسان وحركة عمله، وقالت :” ثمّ يجري تدبير بقيّة الإحتياجات واللوازم الضرورية”.
وأبدت الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني حرصًا شديدًا على الإستفسار عن كلّ شاردة وواردة من النواقص والإحتياجات، وسألت القاضي الحلو عن الحاجيات الضرورية التي يقتضي توافرها، فلم يتردّد في مصارحتها بالقول: ” جاء وفد أوروبي وسألنا عمّا نحتاجه فأخبرته بأنّنا بحاجة إلى الهواء وأيّ شيء يأتينا نحن بحاجة إليه”. ولم يفعل الوفد الأوروبي شيئًا بينما بادرت الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني من تلقاء نفسها ومن غيرتها على وطنها وبدافع الحمية إلى تقديم مشروع الإنارة وإنجازه بسرعة قصوى.
واستمعت الشيخة هند عبد المجيد مجذوب آل ثاني إلى شروحات مطوّلة من المعنيين في الشركة التي تعهّدت تركيب ألواح الطاقة الشمسية بهبة مالية منها لم تشأ الإفصاح عن قيمتها، وهي بلا شكّ، كبيرة من الناحية المعنوية وذلك لما أضفته من أجواء ارتياح نفسي لدى أهل العدلية.
ويبقى السؤال، هل تشجّع خطوة الشيخة هند مجذوب آل ثاني السياسيين ورجال المال والأعمال في لبنان على تقليدها والسير على خطاها بتنفيذ مشاريع خيرية تهمّ الوطن والمواطن، ومن دون تمييز بين منطقة وأخرى؟