كف عن المحايدة.. حيّ على المقاومة!
رولا إبراهيم حسنين
“أخلاقيات المهنة” عبارة تطنّ بها أذن طلبة الجامعات تمهيداً لتهيأتهم لسوق العمل، في أي تخصص جامعيّ كنتَ، أو حتى مرتاد دورات تدريبية، ستملّ هذه الكلمة لكثرة ترددها على مسامعك، ولكني لم أملها بل كرهتها لما حملت من معانٍ مغلوطة في ظروف ليست منطقية، خاصة في عالم الصحافة الفلسطينية. يرشدك العالم كله لأن تكون محايداً في نقل صورة الواقع، بخبر أو تقرير أو مقال أو أي منتج إعلامي كان، ولكن معنى الحياد الذي يطالبنا الالتزام به الإعلام وأخلاقيات مهنة الصحافة، لا تُقاس بأن تنقل روايتك ورواية مُحتلك في حدث هو بالأساس ليس منطقياً.
أنا صحفية فلسطينية، امقت كلمة الحياد مطلقاً، كوني أعيش في بلاد يحتلها الإسرائيليون منذ عشرات السنوات، ولو التزمتُ الحياد في الصحافة سأنقل رواية الاحتلال في تبريره لجرائمه الساعية في التنكيل بالشعب الفلسطيني، فأي حياد هذا وأي أخلاقيات مهنة تقبل أن تضع الجلاد –الاحتلال- والمظلوم الشعب الفلسطيني- في ذات الخانة، تعبر عن وجع المظلوم وتترك للجلاد مجالاً لتبرير فعله ! أي منطق بشري يسمح لجماعة عنصرية أن تحتل بلداً خُلقت للسلام، وأن تُبقي على احتلالها عشرات السنوات وتطلب من أهلها أياً كانوا أن يلتزموا الحياد!
“كفّ عن المحايدة، حيّ على المقاومة” هي كلمات ضمن أغنية وطنية للبناني الساخر جعفر الطفّار، فجرت في عقلي عدة أسئلة، كيف يمكن تعريف كلمة الحياد، ومن أي منظور؟ وكيف يمكن أن يكون الصحفي الفلسطيني محايداً في قضية لا يمكن أن تخضع للحياد؟، كيف يتبنى الفلسطيني رواية عدوّه فقط ليُشار اليه بالحياد؟، كيف نسمح للاحتلال الاسرائيلي أن يفرض روايته علينا ونحن ندرك يقيناً أن روايته مزيفة لا يمكن الاعتماد عليها لا تأريخاً ولا صحافة ولا إرثاً ولا شهادة أمام قاضي محكمة هو الجلاد فيها بذات الفترة التاريخية، فلماذا لا تكون هذه الكلمات أصيلة في تعليمنا لأخلاقيات مهنة الصحافة وانحيازنا للمظلومين فقط، بدلاً من كلمة الحياد أولى أخلاقيات المهنة؟
حيّ على الحق والثبات والمنطق السليم، حيّ على الإيمان بأن أرضك لن يسلبها احتلال ما دُمت تقاوم على قدر استطاعتك، وإن لم تحمل سلاحاً فليكن سلاحك فكرك وعدم انجرارك لكذبة “الحياد”
حيّ على المقاومة.. زملائي في المهنة، صحفيو الغد، صحفيو المنطق في كل بقاع الأرض، لا ينحصر على المقاومة اتخاذها الشكل المسلح فحسب، إنما نحن نقاوم بالقلم والفكر اذا قررنا ألا نمارس ترف الحياد بغباء في التعامل مع قضية احتلال وشعب محتل، مع قضية موروث جغرافي قابل للسلب لأن العالم السياسي كله يقف في صف الاحتلال بقوة وقذارة، المقاومة تأتي بحنجرة شعبية تقول للاحتلال لا أمام كل سياساته التي تؤصل لفكرة نفي الآخر وإقامة دولة صهيونية على حساب تاريخ وأصلانية فلسطينية عريقة.
حيّ على المقاومة.. أمام كل لفظ تلفظه وتنحاز فيه لقضيتك العادلة ولقضية كل المظلومين على الأرض، تكون أنتَ صوتهم الذي يجب أن يُسمع، حيّ على الحق والثبات والمنطق السليم، حيّ على الإيمان بأن أرضك لن يسلبها احتلال ما دُمت تقاوم على قدر استطاعتك، وإن لم تحمل سلاحاً فليكن سلاحك فكرك وعدم انجرارك لكذبة “الحياد”.
كفّ عن المحايدة ولا تقل دولة إسرائيل، قل الاحتلال الصهيوني، ولا تقل سقط قتيلاً في صفوف الفلسطينيين، قل ارتقى شهيداً برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلي، ولا تقل قال الوزير الاسرائيلي هذا وذاك، قل زعم وادعى. كُن سفير صحافة حرّة، تأخذ أخلاقياتها من منطقها ومن واقعها، لا من املاءات عالمية تحاول إخراجك من وطنيتك وتجريدك من مفاهيم أصيلة تدلل على حقك، لا تكن إمعة العالم بالحياد، كُن عزيز الفكر، سداً منيعاً بمقاومتك.