تحقيقات

بين الحياد المزيف وتشويه الحقائق

بقلم الزميلة: صباح وتّار

في ظل الصراع المستمر مع العدو الإسرائيلي، تلعب وسائل الإعلام دورًا حيويًا في تشكيل الرأي العام ونقل الواقع كما هو. إلا أنه وللأسف، نلاحظ أن بعض المحطات اللبنانية تتبنى مصطلحات مشبوهة ومُضللة تخدم أهداف العدو بطريقة غير مباشرة، في محاولة منها لتبني “الحياد” أو التجرد من القضايا الوطنية. هذا التوجه لا يضر فقط بالحقيقة، بل يمس بكرامة الشهداء والمقاومين، ويقلل من أهمية التضحيات التي قدمها اللبنانيون في مواجهة الاحتلال.

من “الشهداء” إلى “القتلى”

أحد أكثر المصطلحات المسيئة التي أصبحت شائعة في بعض وسائل الإعلام اللبنانية هو استبدال مصطلح “الشهداء” بمصطلح “القتلى” عند الإشارة إلى ضحايا المقاومة أو المدنيين الذين قضوا بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. الشهيد في السياق العربي هو الشخص الذي يضحي بحياته في سبيل قضية وطنية أو دفاعًا عن بلده أو شعبه.

من “جيش العدو الإسرائيلي” إلى “جيش الدفاع الإسرائيلي”

تبني مصطلح “جيش الدفاع الإسرائيلي” هو أكبر إساءة للواقع وتزييف للمفهوم الحقيقي لهذا الجيش. إسرائيل لا تدافع عن نفسها؛ بل تقوم بممارسات احتلال وقمع وتهجير ممنهجة منذ عقود. وصف هذا الجيش بالـ”دفاعي” هو محاولة مكشوفة لإضفاء الشرعية على أفعاله العدوانية والمخالفة للقانون الدولي. على الإعلام أن يستخدم المصطلحات الدقيقة مثل “جيش الاحتلال الإسرائيلي” أو “العدو الإسرائيلي”، لتوضيح الطبيعة الحقيقية لهذا الجيش في كونه آلية لفرض الاحتلال واستمرار القمع.

التحييد بين “الجلاد” و”الضحية”

بعض وسائل الإعلام تروج لرواية تضع “الطرفين” – أي إسرائيل والمقاومة – على قدم المساواة، وكأن الصراع هو صراع متكافئ بين جيشين أو بين “ضحية وضحية”. لكن الواقع أن إسرائيل هي قوة احتلال ومعتدية، بينما المقاومة تمثل حق مشروع بالدفاع عن الأرض والشعب. عندما يتم تبني لغة تساوي بين الجلاد والضحية، يُنسى السياق الأساسي للصراع: وهو احتلال شعب وسرقة أرضه.

تبرير العدوان بالاعتراف الضمني بشرعية الكيان

الأسوأ في استخدام هذه المصطلحات هو أنها تساهم في تطبيع وجود الكيان الإسرائيلي بشكل غير مباشر. حينما يتم التحدث عن “جيش الدفاع” أو “الضحية الإسرائيلية”، يُعطى انطباع بأن إسرائيل كيان طبيعي وشرعي في المنطقة، بينما الحقيقة هي أن وجودها ذاته قائم على الاستعمار والتهجير القسري.

وزير الإعلام زياد مكاري: دعم المصطلحات الوطنية في مواجهة التغيير

اجتمع وزير الإعلام زياد مكاري عدة مرّات مع الصحافيين اللبنانيين، حيث أبدى دعمه وتقديره لاستخدامهم المصطلحات الوطنية التي تعكس حقيقة الصراع والمقاومة. وكان مكاري يشدد على أهمية المحافظة على الهوية الوطنية والوعي الجمعي، مشيرًا إلى أن الإعلام هو أداة قوية في توجيه الرأي العام وتعزيز الشعور بالانتماء.

ومع بداية الحرب الأخيرة، لوحظ تحول ملحوظ في اللغة المستخدمة من قبل بعض وسائل الإعلام. فبدلاً من مواصلة استخدام المصطلحات التي تعبر عن الصمود والمقاومة، بدأ البعض في تبني مصطلحات قد تضعف من المعاني الوطنية وتشرع الاحتلال. وزير الإعلام الذي كان يُشيد بأهمية استخدام مصطلحات تعزز من قيمة المقاومة والحق في الوجود، وجد نفسه الآن في مواجهة الواقع الجديد الذي تحاول بعض وسائل الإعلام فيه تبرير ممارسات العدو الإسرائيلي.

الإعلام في خدمة الحقيقة أم التضليل؟

دور الإعلام ليس فقط نقل الأخبار، بل تشكيل الوعي الجمعي حول ما يجري. استخدام مصطلحات مثل “القتلى” و”جيش الدفاع” لا يخدم إلا أجندة العدو الإسرائيلي ويشوه الحقائق. على الإعلام اللبناني، الذي لطالما كان شاهدًا على نضال شعوب المنطقة، أن يكون مسؤولًا في لغته وتوصيفاته. لا يمكن تحت مسمى الحياد أو الموضوعية أن يتم التفريط بالحقائق أو كرامة الشهداء. على المحطات الإعلامية أن تتبنى مصطلحات دقيقة وصحيحة تعبر عن واقع الصراع ولا تساهم في تضليل الرأي العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى