المسافة صفر
كتب: العميد الركن بهاء حسن حلال
المسافة صفر مصطلح جديد دخل في حياتنا وفي الحقيقة، اننا لم نكن نعرف هذا المصطلح ابدا الا في التدريبات العسكرية والعمليات الحربية والميدانية والتي اطلعنا عليها من خلال المعارك العسكرية التاريخية، حيث دائما ما تكون المسافة بيننا وبين اهدافنا مقاسة عادة بالامتار او بالزمن او بالقدرة او بالمال
المسافة صفر في التعريف هي :
استراتيجية في العمل العسكري تعتبر من المستوى الثالث من الحروب داخل المناطق المبنية وهي تستعمل عند تداخل طرفي الحرب في منطقة الروع او منطقة القتل، وخاصة يستعملها المدافع بمواجهة سياسة الأرض المحروقة.
لكن فجأة تحول اليوم هذا المصطلح (المسافة صفر) الى حدثٍ مبهر في حياتنا عندما قامت الم قا و مة الفلسطينية في غزة باعتماد تكتيك عسكري معروف لكنه جديد نسبياً وهو مستخدم سابقا في الحروب التي خيضت في العصور القديمة ومن ايام السيوف والرماح، وقد اعتُمد هذا التكتيك حينها كأسلوبِ مواجهةٍ ونمطٌ دفاعيٌ يستعمل التكتيك الهجومي و يعتمد على المواجهة المباشرة بين حروب الشجعان (مكشوفي الصدر والرأس ) و حروب الجبناء المختبئين في الكتل الحديدية( الدبابات) التي لا يستطيع من خلالها اي فرد ان يرى او ان يحس او ان يميز اي ظاهرة طبيعية ام اصطناعية كانت ، فعليه نحن نصفُها بحروبِ الجبناء كونها حروباً تُدار من قلبِ الدبابات او الطائرات التي ترمي القنابل والصواريخ المتميزة بانها الأكثر فتكا ومصنوعة في بلاد الحرية و الإنسانية ، وكانت ميزتها واحدة وهي انها تقتل الشيوخ والاطفال في بيوتهم وفي اسْرتهم مع ان دولُ صناعتها تفتخر بانها فخرُ الصناعات العسكرية ، فخرُ الاسلحة الغربية الفتاكة وبالمقابل كان نمط وطريقة المسافة صفر، للمقاتلين المدافعين عن ارضهم هو فخر الرجولة وفخرُ المقاومة حيث من خلال هذا التكتيك يواجه رجل لرجل او رجل يواجه دبابة او رجل يمواجه مجموعة من الجند.
وفي هذا التكتيك العملاني لا يفصل بين الرجل والرجل الا امتاراً معدودة وفي المسافة صفر لايفصل بين المتقاتلين, الا ايمان المقاتل وشجاعته فقط ، وهذ ما ينفذه المقاتلون اليوم (في غزة) بشكل باهر وقد سمحت هذه التقنية لافراد الم قا و مة ان يكونوا اشباحا على الساحة القتالية وها هم ينقضون على الاحتلال بقذائفهم من مسافة صفر من حيث لا يحتسبون.
وهكذا عالميا ومحليا اصبح معروفاً ان المقاتل الذي ينبري للدفاع عن قضيته وعن وطنه ومن مسافات متعددة ومنها المسافة صفر بدأ يستقطب تأييداً كبيرا في العالم ليس فقط من قبل المتعاطفين مع قضيته بل من كل العالم وفي كل ارجاء الارض، من اسيا ومن اوروبا فمثلا في فرنسا وفي لندن وغيرها وفي اميركا واصبح من ينشر الفيديوهات (التي تبين شجاعة من ينتهج انتصار الدم على السيف) يمثل الاغلبية في كل الدول التي عددناها.
المسافة صفر
اليوم هي مشهد لمقاتل اعار راسه ل لله عز وجل وزحف على الارض حاملا عدته العسكرية ليفجر دبابة ميركافا من الجيل الرابع و من اقرب مسافة معنوية فيلتحم فيها مع نصره ليحول الصفر من قيمة عددية الى قيمة معنوية و يعود بعدها زاحفا الى نفقه تاركا خلفه دبابة تحترق.
العالم اليوم يتساءل عن قدرة هذ الشعب في غزة، على تحمل المجازر وقتل الاطفال الرضع، والشيوخ وكيف ان اولادهم وشبابهم وشيبهم قادرون على ادارة الحرب النفسية وعلى قدرة (شبابهم المدافعين عن بيوتهم ومستشفياتهم) على الاختباء بالانفاق ومن ثم الانقضاض على العدو.
فما هي هذه المبادئ الكبيرة التي تدفعهم ليقوموا بهذا الشكل من اشكال القتال؟
مثلا ان يكون العنصر المدافع مرتديا لثياب عادية، او رياضية ويمكن ان يكون حافي القدمين فنجد هنا الاجابة:
🔹ان ما يدفعه ليقوم بذلك هو عقيدته القتالية المبنية على انه صاحب حق ويملك شجاعة الاقدام على ضرب هذا العدو وتفجير كتلته الحديدية من مسافة صفر.
🔹وايضا لانه مستهدف في ارضه وقضيته وعرضه، وبما انه يعرف هذه الارض عن كثب وهي ارضه المزروعة بالزيتون والقمح وقد اعتدت عليها دبابات العدو فقام عندها بالهجوم عليه من مسافة صفر وقضى عليه، مع العلم انه هنا لا يعلم ان كان سيعود حياً أم شهيدا ، ولكنه يعلم ان هذا العدو هو مغتصبٌ لحقِ شعبِه وارضِه، وهذا ما جعل معظم شعوبِ العالم اليوم تُبدي تأييداً مُلفتاً واعجاباً باهراً بهذه المقاومة الباسلة حيث انهم عند مشاهدتهم بطولات المقاتلين، في غزة ، تذكرهم بما كانو يشاهدون من العاب إلكترونية اميركية، وهي الالعاب العسكرية والقتالية التي لعبوها سابقا مثل لعبة بابجي واخواتها، ولعبة رامبو واساطير هوليود.
🔹واصبحت اسئلتهم مقرونة باعجابهم بهذه المقاومة مُلحة عن روح المقاومين ، العالية والتي تقاتل فيها ضد العدو المدعوم من كل عواصم العالم الغربي والذي يملك احدث اسلحة تكنولوجية و احدث الطائرات الحربية والمسيرات الحربية ، وابدع منظومات الصواريخ واعظم منظومات الاقمارالاصطناعية وبالمقابل الم قا مة، تدافع باسلحة بدائية لكن بإيمان وشجاعة وبتقنية المسافة صفر حيث لا تنفع معها هنا لا قوة جوية ولا قصف مدفعي.
🔹وهنا المقاتل يدافع عن شرفه وشرف قضيته وعن ارضه وعبر تقنية المسافة صفر سيبقى يقدم كل يوم اعجازاً يبهر العالم ويسبب للعدو الالم وهو يقدم بطولات يراها العالم كله بالعين المجردة وكأننا نشهد الملاحم العظيمة التي جرت في الماضي وفي الزمان الغابر في معارك القادسية وحطين مثلا، وفيها استطاعت الشعوب حينها التغلب على الغزاة، وهذه الملاحم تتكرر اليوم في غزة وتؤلم العدو حتى الموت، ويقول هو عنها ( انها معارك قاسية ومؤلمة ويدفع فيها اثماناً باهظة) وهنا نسأل عن اعترافه هذا:
فنجيب نحن انه اي العدو يصرح بذلك لانه غير مُعتادٍ على حروبٍ ومعارك الرجال الرجال، وفي غزة اليوم ورغم ان قوات الاحتلال وبعد انتهاجها سياسة الارض المحروقة ونمط التدمير العشوائي وعلى مرأى من كل العالم المتحضر دخل براً الى غزة المحاصرة منذ ١٦ عاما والمراقبة بالاقمار الاصطناعية والمسيرات الحربية وكل التكنولوجية المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي الا انه تكبد ويتكبد الخسائر تلو الخسائر ويتلقى الضربات الموجعة من المسافة صفر وحتى من كل المسافات والارقام مجازياً.
هذه المقاومة في غزة اليوم اثرت على الرأي العام العالمي والاقليمي وقلبته رأسا على عقب وجعلت المواجهة بين رجل ورجل من مسافة صفر تعني نصراً للمقاومة، وهزيمة للمعتدي الجبان في الميدان وقد اصبح للرقم صفر قيمة رمزية ومعنوية كبيرة الى درجة ان عدد كبير من الاشخاص في العالم وتيمناً برجال المقاومة اليوم في غزة وشعورا منهم بالظلم الذي يقع على ال مقاومين،
لجأوا الى التعرف على الاسلام من خلال القرآن الذي برأيهم اعطى هؤلاء الرجال هذه القوة وهذا الثبات وهذه البسالة والشجاعة لمقارعة العدو والتفوق عليه في بعض الاحيان، وذهب بعض المهتمين لاكتشاف ماذا تفعل هذه الظاهرة في غزة وايضا للبحث عن سبب هذا المستوى من الثبات عند الغزاويين وليس فقط عند المقاومة، بل عند الغزاوي أيضا، الذي يُقتل ويُذبح في كل لحظة، وتُقتل عائلته، لكنه ثابتٌ وصامدٌ ويرفض التهجير وترك ارضه، فمثلا: والد يحمل اشلاء ولده ويودعه بمنتهى الثبات.
ويحتسبه عند الله شهيدا والام التي تحتفل بعيد ميلاد ابنتها تحت القصف لتبشرها بعمر جديد قادم او الاطفال الذين يقفون بالقطار منتظرين ليكتبوا اسمائهم على ايديهم وهكذا اذا اغتيلوا بصواريخ العدو يمكن التعرف عليهم, والشيوخ الذين ينهضون من تحت الانقاض ليعبروا عن صمودهم في ارضهم بالرغم من انف الاحتلال، من اجل كل هذا من اجل هذ المشهد الذي يضم البطولات المتكاملة، للعائلات الفلسطينية ومن اجل الظلم الممارس من العدو من قتل وذبح بحقهم.
بدأت المظاهرات في كل العالم والدول تنتشر وحتى في اميركا وأوروبا وفي لندن التي منها كان وعد بلفور) انتشرت فيها اكبر المظاهرات الداعمة لغزة، وينادي فيها المتظاهرين فلسطين حرة.
ان المصطلح صفر سيبدل ويغير في فهم البشر لمغزى الحياة الكريمة والعزيزة من الاساس وهذه هي قيمة الصفر العملاني .