تحقيقات

الأهداف الحقيقية لإسرائيل من قصف لبنان: تغيير الوضع السياسي تحت النفوذ الأمريكي

 الضاحية الجنوبية/ صورة: خالد عياد

منذ بداية قصف إسرائيل للبنان، ركزت وسائل الإعلام والمحللون إلى حد كبير على أن الهدف الأساسي من هذه الهجمات هو إضعاف حزب الله والحد من نفوذه في الساحة السياسية والعسكرية اللبنانية. ومع ذلك، فإن التحليل العميق للتطورات الإقليمية والدبلوماسية الأخيرة يكشف أن الأهداف الحقيقية لهذه الهجمات تتجاوز مجرد الصراع مع حزب الله. في الواقع، هذا القصف هو جزء من خطة أوسع تقودها الولايات المتحدة لتغيير الوضع السياسي في لبنان وفرض رئيس جديد يتماشى مع مصالح الغرب وإسرائيل.

تصوير: خالد عياد

الضغط الأمريكي لتغيير السياسة في لبنان

في الأشهر الأخيرة، كان واضحاً أن الولايات المتحدة تعمل بشكل نشط من خلال دبلوماسية قوية لإنهاء الجمود السياسي في لبنان والإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا الأمر أصبح جلياً من خلال الاتصالات الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع كبار المسؤولين في قطر، المملكة العربية السعودية وفرنسا. بلينكن طلب من هؤلاء المسؤولين التعاون مع اللبنانيين لدفع عملية انتخاب رئيس جديد وعقد انتخابات سريعة في البلاد. رسالته كانت واضحة: “حزب الله ضعيف، وهناك فرصة تاريخية لتغيير الوضع السياسي في لبنان.”
هذه الرسالة من بلينكن تكشف عن الهدف الأساسي للولايات المتحدة، وهو إضعاف حزب الله بشكل أكبر من خلال تغييرات جذرية في الهيكل السياسي للبنان. كما قيّمت الولايات المتحدة أن قطر، السعودية وفرنسا، نظرًا لنفوذهم الواسع في لبنان، يمكنهم لعب دور محوري في هذه التغييرات. في هذا السياق، تقوم إسرائيل بالقصف لخلق حالة من عدم الاستقرار في لبنان، ما يمكّن الولايات المتحدة وحلفاءها من فرض سياساتهم السياسية.

رئيس تحت النفوذ الخارجي

رغم أن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هو عملية داخلية تعتمد على توافقات بين مختلف الأطراف السياسية، فإن الضغوط الخارجية، لا سيما من الولايات المتحدة والدول الغربية، تؤثر بشكل متزايد على هذه العملية. محاولات الولايات المتحدة لفرض رئيس يخدم مصالحها تشكل تهديدًا لاستقلالية القرار السياسي اللبناني. هذا الرئيس، في حال تم انتخابه نتيجة للضغوط الخارجية، لن يكون ممثلاً لإرادة الشعب اللبناني بل سيصبح أداة بيد الولايات المتحدة وحلفائها.
أحد المخاوف الرئيسية هو أن هذا الرئيس، بسبب اعتماده على الدعم الخارجي، لن يكون قادرًا على الحفاظ على أمن واستقلال لبنان. لطالما حاول لبنان اتباع سياسة الحياد والبقاء بعيدًا عن الصراعات الإقليمية. ولكن إذا جاء رئيسٌ يتلقى أوامره من الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن سياسة الحياد هذه ستنهار، وسيصبح لبنان مسرحًا لتنفيذ سياسات الغرب وإسرائيل.

تصوير: خالد عياد

دور إسرائيل والقصف الأخير

قصف إسرائيل للبنان لا ينبغي أن يُفسر فقط كجزء من محاولتها للقضاء على حزب الله. بل هو جزء من استراتيجية أوسع تستخدمها الولايات المتحدة لتغيير الوضع السياسي في لبنان. إسرائيل، من خلال خلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى في البلاد، تفتح المجال أمام فرض رئيس جديد موالٍ للغرب كـ”حل” للأزمة السياسية اللبنانية.
هذه الهجمات العسكرية تهدف إلى إضعاف ليس فقط حزب الله، ولكن أي مقاومة داخلية أمام النفوذ الأجنبي في لبنان. الهدف النهائي هو خلق بيئة يضطر فيها المجتمع الدولي وحتى الأطراف اللبنانية الداخلية إلى قبول قيادة جديدة تحت سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها.

كاريكاتير-انترنت

تداعيات انتخاب رئيس تحت الضغط

إذا تم انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة لضغوط خارجية وتحت أوامر الولايات المتحدة، فإن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة على مستقبل لبنان. هذا الرئيس لن يكون قادرًا على تمثيل مصالح الشعب اللبناني ولن يتمكن من الدفاع عن استقلال البلاد وسيادتها. وهذا الوضع سيؤدي إلى مزيد من التوترات الداخلية والإقليمية، وسيصبح لبنان أكثر عرضة للصراعات الإقليمية والدولية.

علاوة على ذلك، إذا تخلى لبنان عن سياسته التقليدية للحياد واستسلم لنفوذ القوى الأجنبية، فإن الانقسامات الطائفية والسياسية داخل البلاد ستزداد سوءًا. القوات المقاومة، مثل حزب الله، التي تدافع عن استقلال لبنان قد تلجأ إلى خطوات مضادة قد تهدد الاستقرار الداخلي.
قصف إسرائيل للبنان ليس مجرد عملية عسكرية ضد حزب الله، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تتبعها الولايات المتحدة لتغيير الوضع السياسي في البلاد. الهدف الحقيقي هو الإسراع في انتخاب رئيس جمهورية يتماشى مع مصالح الغرب وإسرائيل. لكن مثل هذا الرئيس، إذا تم انتخابه تحت ضغوط خارجية، لن يكون قادرًا على حماية استقلال وأمن لبنان، وسيؤدي إلى انتهاك سياسة الحياد التقليدية.
إذا استمر هذا المسار، سيواجه لبنان تحديات جديدة في الحفاظ على سيادته واستقلاله، وسيصبح البلد ساحة للصراعات الخارجية. لهذا، من الضروري أن يتجنب لبنان والمجتمع الدولي السير في هذه الاتجاهات السياسية المفروضة من الخارج، وأن يعملوا على حماية استقلال البلاد وقراره السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى