القانون الدولي ودور الأمم المتحدة ومؤسساتها في ظل الإبادة الصهيونية الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر
بقلم: أ.سمير دياب – المنسق العام للقاء اليساري العربي
“هذي هي الحسناء غزة في مأتمها تدور.. ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور” (الشاعر معين بسيسو)
هذا حال غزة الصامدة المقاومة منذ أكثر من 10 أيام، والعدوان الصهيوني المدعوم من الإمبريالية الأميركية والغربية يدك غزة من شمالها إلى جنوبها لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتهجيره وضرب مقاومته الباسلة وتصفية قضيتة برمتها.
أمام هول ما يجري من “إبادة جماعية” مدروسة ومتعمدة من حصار غزة وعزلها وقصفها جوا وبرا وبحرا على رؤوس المدنيين الآمنين في بيوتهم، وقطع كل وسائل الحياة عن اكثر من مليوني فلسطيني من ماء ودواء وكهرباء وطعام وايواء..واستهداف الأطفال والنساء والشيوخ ، وتهديد المستشفيات وقتل الجرحى والمسعفين، وتمشيط المربعات السكنية المدنية بالقصف المركز بألآف الأطنان من المواد الحربية الفتاكة المحرمة قانونا (الفوسور الابيض)، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، فيما منظمة الأمم المتحدة خرساء بكماء عمياء، وكأن ما يجري لا يعنيها او نسيت وظيفتها أو الجدوى من وجود قوانين وأعراف دولية تنظم وتصنف الأعمال العدوانية الحربية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا.
إنها قوانين دولية وضعت لتنظيم قواعد الحروب، وإعطاء الاولوية للحد من آثارها والآمها وتقييد الأعمال العسكرية العدائية بقيود من شأنها التقليل من استعمال القوة المفرطة، واستخدام الاسلحة السامة المحرمة التي تفتك بالبشرية، وتوفير الحماية للمدنيين والأعيان المدنية ووسائل حياة المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. وبالتالي، غرضها، ايجاد إطار قانوني دولي لمحاكمة مجرمي الحرب.
أين الامم المتحدة من كل ما يجري في غزة ؟
وكيف تتعامل مع حرب الابادة القائمة ؟
هل بالركون إلى رواية “نتنياهو” أتبني الدعاية الصهيونية حول حق الدفاع عن النفس؟
وهل هي مقتنعه حقاًن بأن المحتل الصهيوني لفلسطين منذ 75 عاماً يقوم بتدمير منبع “الإرهاب” (المقصود المقاومة الفلسطينية)، والدفاع عن مستوطنيه بوجه هجمات “الارهابيين الفلسطينيين” (المقاومين الفلسطينيين). أم أن هذا الارهاب منبعه هذا الكيان الاستعماري الصهيوني الاستيطاني العنصري الذي يشكل القاعدة المتقدمة للإرهاب الإميريالي الاميركي في المنطقة العربية، والذي يحتل من دون وجه حق إنساني أرض الشعب الفلسطيني المطالب بحقه في المقاومة ضد المحتل ، وبحقوقه الوطنية المشروعه. والذي يدفع الاثمان الباهظة من دمه ورزقه ومسكنه واعتقاله وابعاده واقتلاعه من أرضه وتشريده في وجه الاعتداءات الصهيونية اليومية والمجازر الوحشيه والحروب المتكررة منذ عام 1948 وحتى اليوم.
اليست المواثيق والاعراف الدولية تضمن حق الشعوب في المقاومة والتحرير.. كما حصل على مر التاريخ. أم أن فلسطين وشعبها هي الاستثناء كون ” اسرائيل” هي القاعدة العسكرية للامبريالية الاميركية ومشاريعها الاستعمارية الهادفة لإبقاء السيطرة على مقدرات المنطقة العربية وممراتها ونفطها وغازها وثرواتها الغنية؟.
إن الوقائع الميدانية للحرب العدوانية الصهيونية على قطاع غزة، تؤشر إلى تخبط “نتنياهو” وحكومته العسكرية وقياداته السياسية والعسكرية وشعبه المزعوم، في سعي محموم، وفي سباق مع الزمن، لتحقيق انتصار ما بعد عملية ” طوفان الاقصى” لما أحدثته هذه العملية البطولية للمقاومة الفلسطينية من زلزال داخل الكيان الصهيوني، ومن قلب الطاولة على رأس المحتل وأسياده الإمبرياليين الاميركيين وأذنابهم المطًبعين الرجعيين، وعلى كل ما هو قائم من حالة ترهل واستسلام في “سلطة أوسلو” وإنقسام داخل الساحة الفلسطينية منذ زمن طويل. وبالتالي، استطاعت هذه العملية المقاومة الاسطورية التاريخية رسم خارطة طريق جديدة، عنوانها المقاومة، وإعادة جدولة القضية الفلسطينية وفق ترتيب اصحاب القضية ومقاومتهم، كقضية مركزية وأساسية في الصراع الفلسطيني والعربي – الصهيوني وفي الشرق الاوسط والعالم. هذا عدا ما حققته العملية المدروسة والمنظمة على أرض الميدان من مباغته للعدو ولقواته المدججة بالاسلحة وتقنياته الحديث المكلفة، إضافة لخلق حالة خوف ورعب حقيقيين لدى صفوف جيش الكيان الصهيوني، وفقدان ثقة المستوطنين بكذبة هذ الكيان حول مفهوم الأمن والاستقرار والحماية كقوة رادعة ” لا تقهر”، وأسر المقاومين لعدد كبير من العسكريين والمدنيين من الداخل الفلسطيني المحتل كورقة قوية تستخدم عند اللزوم، وتحضيرا لما هو قادم بفعل تداعيات العملية البطولية ورد الفعل الصهيوني ومعه الاميركي وتصريحاته وجسره الجوي واسطوله البحري وقواعده العسكرية المنتشرة في الخليج والمنطقة لدعم قاعدته العسكرية المتقدمة المسماة ” دولة إسرائيل” كما لإنقاذ دوره وممراته الحيوية في المنطقة بعد نجاح العملية البطولية للمقاومة الفلسطينية واعتبارها حدثا نوعيا متطورا تغير حقيقة قواعد اللعبة ومجرى الاحداث والتطورات في المنطقة كافة لغير مصلحة الاميركي والصهيوني والرجعي العربي.
ونتيجة لذلك، فإن العدو الصهيوني راح كعادته، ينشر رائحة الدم والموت في ارجاء غزة، وأقل ما توصف به أعماله العدوانية العسكرية الوحشية على المدنيين ولا سيما الاطفال والنساء بجريمة ” الإبادة الجماعية” وليس حصرها بوصف “جريمة حرب” ، كعقاب جماعي يطال أكثر من مليوني فلسطيني داخل غزة المحاصرة منذ سنوات طويلة، تمهيدا للقضاء عليهم وتشريدهم عبر “معبر رفح” إلى سيناء المصرية كمشروع بديل مطروح بشكل علني منذ زمن بعيد لتصفية القضية الفلسطينية.
إن العدوان الصهيوني الوحشي الذي يتم تنفيذه منذ 10 ايام والمدعوم من الامبريالية الاميركية بشكل علني وموثق يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني الذي يحظر العقوبات الجماعية. وبالمثل، جميع تدابير التهديد والإرهاب، والتي تحظر أيضا تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم كما جاء في المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المعقودة عام 1949. عدا عن تحريم الهجمات العشوائية بموجب القانون الدولي الإنساني التي تصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية عن معرفة. بأن مثل هذا الهجوم يسبب خسائر بالغة في الأرواح أو إصابات بالأشخاص المدنيين كما جاء في الفقرة (1) ثالثاَ من المادة ( 57) من البروتوكول الأول الإضافي لإتفاقات جنيف والمعقود عام 1977. والتي اعتبرت المادة (58) منه هذا النوع من الأعمال العدائية العسكرية بمثابة انتهاك جسيم لهذا البروتوكول ولإتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية المدنيين اثناء الحرب، وبالتالي نص في مادته (85) على اعتبار أي انتهاك جسيم بمثابة ” جريمة حرب” يعاقب عليها القانون الدولي.
اما حول “الإبادة الجماعية” كما يحصل اليوم في غزة ، فقد جاء في المادة الثانية منها. فإن القانون ُيعرف جريمة الابادة الجماعية بالآتي: ” أي من الأفعال التالية المرتكبة عن قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو دينية بصفتها هذه:
أ- قتل أعضاء من الجماعة.
ب- الحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ت- إخضاع الجماعة، عمداَ، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا او جزئياَ.
ويجب الاشارة هنا، إلى نص المادة (33) من اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية التي تنص على : ” يعاقب على الافعال التالية :
1- الابادة الجماعية
2- التآمر على الابادة الجماعية
3- التحريض المباشر والعلني على إرتكاب الإبادة الجماعية.
4- محاولة إرتكاب الإبادة الجماعية
5- الاشتراك في الإبادة الجماعية
اليس ما يجري في قطاع غزة مطابقا لمضمون نصوص الإبادة الجماعية..؟ الا يقوم العدو الصهيوني بالفعل المباشر بحق الشعب الفلسطيني في على طول وعرض قطاع غزة. وبتحريض علني ودعم عسكري وسياسي مباشر غير محدود من رأس الإدارة الاميركية( بايدن) ووزير خارجيته ودفاعه، وبدعم سياسي ومالي وإعلامي مشبوه من الاتحاد الاوروبي، وبصمت وتواطؤ من أنظمة الخيانة والتطبيع العربية؟؟
أمام هول الواقع، فإن لهذه القوانين جدوى كبيرة وأهمية قصوى في حال تم تحصين القضية الفلسطينية والمحافظة على إنتصار مقاومتها. فالالتفاف الشعبي حول القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني الصامد في المقاومة الوطنية الشاملة ورفدها ودعمها ومناصرتها ومساندة الصامدين في غزة ماديا ولوجستيا ومعنويا، وفتح معابر ملزمة إنسانيا لنصرة هذا الشعب العظيم من الصمود والمقاومة والثبات في أرضه. من شانه أن يفشل كافة المخطاات العدوانية الصهيونية والاميركية والرجعية. ويدفع باتجاه تحقيق حلم الشعب الفلسطيني التاريخي. فالزمن هو زمن المقاومة الفلسطينية والعربية وحركتها التحررية الثورية، وهو مشروع وطني وقومي تحرري ثوري، يشكل الخيار الوحيد الامثل والمختصر لقيام “جبهة مقاومة وطنية عربية ثورية شاملة نحو تحرير فلسطين والعودة واقامة الدولة الوطنية الفلسطينية على كامل التراب الوطني وعاصمتها القدس.
وليس هذا فحسب، إنما أيضا العمل على إنشاء ملف قانوني، ولو للمرة الألف، بشكل موثق وشامل عن فظائع ومجازر وجرائم هذا الكيان الاستعماري العنصري المصطنع، وتقديمه للأمم المتحدة، لاجراء المقتضى القانوني الدولي وتنفيذ البنود الجزائية ذات الصلة، ومنع مؤسساتها من الأخذ بمعيارين وميكالين. فالقانون الدولي وضع للجميع دون تفضيل أو تسييس، وتحت سقفه تجري عملية المساءلة والمحاسبة والمحاكمة والعقاب المتوجب عبر محاكمة المسؤولين عن الجرائم الإنسانية المتكررة منذ نكبة فلسطين عام 1948، والتوصيف الحالي لما يرتكبه هذا الكيان الصهيوني بحق فلسطين وشعبها في غزة تسمى “إبادة جماعية” ضد شعب فلسطيني يريد استرجاع أرضه التاريخية المسلوبة، واستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وبناء حياته الإنسانية الكريمة، كما باقي شعوب العالم.