“جردة حساب”
بقلم المحلل السياسي صادق مقدم
لا شك أن العام الماضي كان حافلًا بالأحداث المتسارعة، بدءًا من عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من تداعيات على المستويين السياسي والميداني. هذه الأحداث لم تترك أثرًا عابرًا، بل شكّلت مرحلة فارقة في تاريخ أمتنا، مليئة بالآلام والتحديات.
مع وقف إطلاق النار وانتهاء هذه الحقبة الأليمة، يصبح من الضروري، بل من الواجب، أن نعيد حساباتنا. علينا أن نتأمل بعمق فيما حدث، نحلل أخطاءنا، ونتعلم منها دروسًا للمستقبل.
في مثل هذه المراحل، تبرز أهمية التقييم الموضوعي لكل ما مررنا به. هل كانت قراراتنا صائبة؟ هل استطعنا تحقيق ما نصبو إليه؟ وهل كنا على مستوى التحديات؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات صريحة، بعيدًا عن العاطفة أو التبرير.
ما يميز أمتنا هو قدرتها على النهوض من وسط الركام، والبحث عن أمل جديد يعيد صياغة مستقبلها. لكن هذا لا يتحقق دون نقد ذاتي بنّاء وخطة واضحة للمضي قدمًا.
أسئلة المرحلة
لقد قدمنا أعز ما نملك في هذه المعركة، وكان لبنان هو الوحيد الذي تصدّر المشهد دفاعًا عن غزة، بالرغم من مراهنات الكثيرين على غير ذلك. ومع ذلك، تبقى الصورة معقدة، خاصة في ظل تغيّر تموضع حزب الله بعد الحرب، وتحديدًا بعد سقوط سوريا واستشهاد أمينه العام الشهيد المقدس السيد حسن نصر الله. هذا القائد الذي لا يُعوّض لم يكن رمزًا لبنانيًا فحسب، بل شخصية ذات مكانة عالمية خاصة لدى الجمهور.
لكن مع كل هذه التضحيات، يبقى السؤال قائمًا:
– هل خُذلنا؟
– هل كان لبنان ضحية ما سُمّي بـ”وحدة الساحات”؟
– هل كان حزب الله ضحية غرفة العمليات المشتركة؟
أين كل الوعود التي سمعناها من قادة المقاومة؟ وعود بدخول الجليل، وإسقاط أبنية تل أبيب، وتدمير مطارات الكيان، خصوصًا الحربية منها. ألم يقل الشيخ نعيم قاسم في أحد خطاباته إن إسرائيل “خلصنا منها من زمان”؟ وأين “السياسة الهجومية” التي قيل إن المقاومة انتقلت إليها؟
كلفة الحرب
في خضم ذلك، ماذا عن خطة التهجير التي طالت حوالي مليون ونصف مهجّر، عاشوا معاناة لا توصف؟ يبدو واضحًا أن العدو الإسرائيلي، بعد حرب 2006، انتقل إلى مستوى جديد من العمل الأمني ضد المقاومة، مستخدمًا أساليب متقدمة، وصولًا إلى خرق أغلب مستودعات الأسلحة ومنصات الصواريخ، ومراقبة تموضع القادة وتحركاتهم، وعلى رأسهم الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله.
كما نجح الإسرائيلي في تنفيذ عمليات تقنية مثل “البيجر” والاتصالات اللاسلكية، التي أربكت المقاومة وكشفت نقاط ضعفها. هذا الخرق الكبير، الذي تم التحضير له لسنوات، جعل المقاومة تعتقد خطأً أنها بعيدة عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية. وهكذا، نقل الإسرائيلي المعركة إلى ميدان يمتلك فيه التفوق التقني.
المقاومة: أهل الأرض
لكن، رغم كل ذلك، لم تهزم هذه التحديات عزيمة المقاومين على الحدود، الذين أثبتوا أنهم أهل الأرض، ولم يسمحوا للعدو الإسرائيلي بالدخول أو التثبيت. ومع ذلك، يبقى الرهان كبيرًا على هؤلاء المقاومين لتغيير المعادلة في المستقبل.
تساؤلات داخلية في الداخل اللبناني، تُطرح أسئلة عديدة:
– هل أخطأ حزب الله في فتح جبهة إسناد؟
– هل كان القرار خارجيًا دفع ثمنه غاليًا؟
لا شك أن هناك انقسامًا داخليًا حول هذه المسألة. فالبعض يرى أن إسرائيل لو كانت هي من بدأت الحرب، لوقف الجميع مع المقاومة، متجاهلين أن الكيان يستبيح أرضنا يوميًا. حتى أن البعض قد يجد أعذارًا لإسرائيل، مما قد يُستخدم لبناء مسارات سياسية تهدف إلى تقويض المقاومة.
إعادة التموضع
على المقاومة أن تعيد تموضعها، ليس على قاعدة عام 1982، بل بناءً على التطور العسكري والأمني الذي وصل إليه العدو. يجب أن تدرس المقاومة هذا الواقع الجديد بعمق، وتبحث عن أساليب للتعامل معه في أي استحقاق قادم.
وفي ذات السياق، يجب أن يتم العمل على خلق منهج مقاوم موحّد يتجاوز الطوائف والإطار الديني والمذهبي، بقراءة وطنية بامتياز، تجمع الجميع تحت راية الدفاع عن الأرض والكرامة.
ختامًا
“جردة الحساب” ليست مجرد وقفة تأمل، بل هي دعوة لإصلاح الذات، ومراجعة المسار، لضمان أن القادم سيكون أفضل وأكثر استقرارًا لنا ولأجيالنا القادمة.