تحقيقات

“الإعلام التوعوي”… حين تتحول الصحافة إلى درع وطني

بيروت – الصحافة اللبنانية الدولية

في زمن تتسارع فيه الأحداث، وتتصاعد فيه وتيرة التضليل الإعلامي، تتجدّد الحاجة إلى نموذج صحفي مختلف، يتجاوز النقل المجرد للوقائع إلى تحليلها وتفكيكها وتقديمها ضمن إطارٍ وطني وإنساني مسؤول. من هنا تبرز الصحافة التوعوية، أو ما يُعرف بـ”الإعلام التوعوي”، كأحد أبرز أركان الإعلام البديل الذي يضع الإنسان والوعي في صلب رسالته.

ما هو الإعلام التوعوي؟

الإعلام التوعوي هو ذاك النوع من الصحافة الذي لا يكتفي بتغطية الأخبار، بل يسعى إلى تفسير الظواهر، تصويب المفاهيم، وتحفيز التفكير النقدي لدى الجمهور. إنه الإعلام الذي ينقل المعلومة بمسؤولية، ويقترح الحلول، ويركّز على بناء الوعي الجماعي لا على التهييج أو الاستغلال العاطفي.

في وجه الإعلام التجاري

على عكس الإعلام التجاري الذي يسعى خلف العناوين الصادمة والمحتوى السطحي لجذب التفاعل، يضع الإعلام التوعوي نصب عينيه هدفًا أبعد: تمكين المجتمع من حماية نفسه بالمعرفة. ولذلك، يُعدّ هذا النوع من الإعلام عنصرًا أساسيًا في مواجهة الشائعات، التطرف، بث الكراهية، والانقسامات الطائفية والمناطقية.

دور الصحافة التوعوية

تمتلك الصحافة التوعوية القدرة على إحداث تأثير عميق في المجتمعات، من خلال:

🔹نشر ثقافة المواطنة وقيم الوحدة والاحترام المتبادل.

🔹مكافحة الجهل والتضليل، وشرح القضايا المعقدة بلغة مبسطة.

🔹الدعوة إلى السلوك المدني، كالتحصين من العمالة(التجسس)، والوعي بوسائل التجنيد المعنوي.

🔹رفض الابتذال الإعلامي، والعمل على تقديم نماذج إعلامية راقية تستحق ثقة الجمهور.

تحديات الواقع

رغم دورها الحيوي، تواجه الصحافة التوعوية جملة من التحديات، أبرزها:

🔹غياب التمويل المستقل، في ظل سيطرة السوق الإعلانية على المحتوى.

🔹ضعف التدريب والتأهيل في المهارات التوعوية لدى العاملين في المجال.

🔹إقصاء الإعلام التوعوي من دوائر النفوذ والمؤسسات الرسمية أحيانًا.

🔹قلة المنصات التي تتبنى هذا النوع من الإعلام بوضوح واستمرارية.

“أخشى من ثلاث جرائد أكثر مما أخشى من ألف بندقية.” – نابليون بونابارت

الصحافة رافعة أم معول هدم؟

في خضم هذه التحديات، تبقى الصحافة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن بناء أو هدم المجتمعات. فالكلمة الصادقة يمكن أن تبني جيلًا، والمعلومة الخاطئة قد تهدم وطنًا. ومن هنا، تبرز أهمية تحوّل الصحفي من ناقل خبر إلى فاعل توعوي وشريك في صناعة المستقبل.

نحو نهج جديد في الإعلام

اليوم، وفي ظل الأزمات المتراكمة التي تمرّ بها مجتمعاتنا، تُصبح الحاجة ملحّة لإعلام يعيد ترتيب الأولويات، ويمنح الناس أدوات الفهم لا أدوات الخوف، ويعيد للصحافة دورها كمحرّك للوعي لا مروّج للأزمات.

إن الصحافة التوعوية ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية، ومسؤولية مهنية وأخلاقية. وإذا أردنا بناء وطنٍ متماسكٍ وواعٍ، فلا بد من إعلام يرقى بالناس لا يُسهم في تضليلهم.

الصحافة اللبنانية الدولية
لمنبرٍ يرفع الوعي… لا يبيع الإثارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى