لقاء توعوي حول التغطية الإعلامية للإنتحار
- الابيض: التعاطي بمسؤولية يحمي المجتمع
المكاري: لاستبدال عبارة الإنتحار هو الحل بالقول لكل مشكلة حل
استضافت وزارة الصحة العامة لقاء إعلاميًا حواريًا حول “الإنتحار والتغطية الإعلامية”، هدف إلى تسليط الضوء على كيفية تغطية الإعلام لحالات الإنتحار بطريقة مسؤولة، وعرض مواد تسهم بشكل إيجابي في الوقاية من الإنتحار بعيدًا عن السبق الصحافي الذي يتضمن غالبا معلومات منقوصة وغير دقيقة أو صحيحة، خصوصا أن التسرّع في نقل الأخبار ونشر الصور والفيديوهات والرسالة الأخيرة وغيرها من التفاصيل قد تحرّض الذين لديهم أفكار إنتحارية على الإقدام على إنهاء حياتهم وتكرار حوادث الإنتحار.
وتمت دعوة الإعلام إلى تشجيع الناس على طلب الخدمة النفسية عند الحاجة والتذكير بخط الحياة 1564 وهو الخط الوطني الساخن المخصص للدعم النفسي والوقاية من الإنتحار. كما تم توزيع دليل حول كيفية مقاربة موضوع الإنتحار في الإعلام سعيا إلى تضافر الجهود من أجل مساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الصحة النفسية على التعافي. والدليل موجود على الرابط التالي:
حضر اللقاء وزيرا الصحة والإعلام في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض والمهندس زياد المكاري والمدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة والمدير العام بالإنابة في وزارة الصحة العامة فادي سنان ومدير العناية الطبية في الوزارة الدكتور جوزف الحلو وممثلون عن البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية والجمعية اللبنانية للطب النفسي ونقابة النفسانيين في لبنان وجمعية “امبرايس” ونقابة المحررين.
راضي
استهل اللقاء بكلمة رئيسة الفريق التقني في منظمة الصحة العالمية الدكتورة إليسار راضي التي أكدت أن “الصحة النفسية من أولى وأهم أولويات منظمة الصحة العالمية في لبنان”. وقالت: “إن المنظمة تعمل مع البرنامج الوطني للصحة النفسية على تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية، وقد أطلقت في عام 2019 مع البرنامج الوطني للصحة النفسية الدليل العملي للإعلاميين حول التغطية الإعلامية لمواضيع الصحة النفسية واستخدام المواد المسببة للإدمان. كما تعمل المنظمة عن كثب مع البرنامج لتعزيز الوصول إلى خدمات الصحة النفسية في المجتمع”.
اضافت: “بتكثيف الجهود معًا يمكننا فعل الكثير، إذ تتطلب الوقاية من الإنتحار جهود جميع أقسام المجتمع من الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل والمتخصصين في الرعاية الصحية والمعلمين والمسؤولين السياسيين والأهم من ذلك: وسائل الإعلام”.
ضاهر
ثم تحدثت الدكتورة شارلين هاشم ضاهر من الجمعية اللبنانية للطب النفسي عن الأسباب والعوامل المؤثرة في الإنتحار، موضحة أنها “متعددة وقد تكون وراثية واجتماعية وبيولوجية جينية ونفسية، إضافة إلى مسألة الإدمان على المخدرات والأمراض الجسدية المزمنة، فضلا عما قد يتعرض له الإنسان من صدمات في حياته وتنمر وعنصرية ووصم بالعار”. وقالت: “هناك ترابط معقد بين كل هذه العوامل، لذا من المهم تشخيصها ومحاولة علاجها في الوقت المناسب”.
ولفتت إلى “علامات تدل على احتمال الإقدام على الإنتحار ولا سيما عندما يتكرر الكلام عن الأمر عن الشعور باليأس ويحصل انعزال كلي عن العائلة والأصدقاء”، مشددة على “ضرورة حصول الشخص في هذه الحالة على رعاية صحية ملائمة ومتابعة واستشفاء بحيث يتم تطوير قدراته لتخطي المشاكل وتعزيز انتمائه إلى هوية ثقافية من دون المرور بخط الإكتئاب والإنهيار التام”.
ديراني
بدورها، تحدثت نقيبة النفسانيين في لبنان الدكتورة ليلى عاقوري ديراني عن مفهوم الوقاية من الإنتحار، مشيرة إلى “تضمنه مراحل ثلاث هي: الوقاية الأولية والثانوية والثلاثية”.
وأوضحت أن “الوقاية الأولية تعني وجود مساحات آمنة في العائلة والمجتمع بحيث يشعر الإنسان بارتباطه بالآخر وبأنه قادر على الإدلاء برأيه من دون أن يتعرض للصد. أما الوقاية الثانوية فهي لمن هم عرضة لهشاشة نفسية فتكون إنتاجيتهم العملية منخفضة ويبتعدون عن الروابط الإجتماعية ما يتطلب تعزيز الروابط معهم لإعطاء معنى لحياتهم. وتتوجه الوقاية الثلاثية لمن يظهرون اضطرابًا نفسيا يعطل تكيفهم الإجتماعي ما يتطلّب ملازمة الشخص المضطرب دون اقتحامه ووضع خطة للمحافظة على سلامته من قبل طبيب نفسي أو نفساني عيادي متمرّس”.
الشماعي
ثم عرض رئيس البرنامج الوطني للصحة النفسية الدكتور ربيع الشماعي لما تقوم به وزارة الصحة العامة مع الشركاء لجهة دمج الصحة النفسية بالرعاية الصحية الأولية، وافتتاح أقسام نفسية في عدد من المستشفيات الخاصة والحكومية والتدريب على طرق علاجية علمية.
وذكّر بأهمية استخدام الخط الوطني الساخن 1564 الذي يديره البرنامج الوطني مع جمعية “Embrace” حيث يمكن للشخص الذي يحتاج إلى مساعدة أن يجري مكالمة فائتة (Missed Call) فيعاد الإتصال به لوصله بالخدمات المتوفرة.
ودعا الإعلاميين إلى المشاركة في دورات تدريبية حول الإعلام والصحة النفسية والتواصل مع البرنامج الوطني على العنوان التالي: mh.moph@nmhp-lb.com
عطوي
وأشارت ميا عطوي من جمعية “Embrace”، الى “ان استخدام الإعلام لعبارات متسرّعة قد يزيد الرغبة بالإنتحار”. وعرضت أمثلة على ذلك كالتالي: “الآلاف يرغبون بالإنتحار، حلول العيش في لبنان: الإنتحار، الكآبة أو زوارق الموت، الإنتحار في لبنان: الموت الذي لا نعرفه أفضل من حياة ندركها”.
وشددت على أن “هذه العبارات التي كثر تداولها في السنوات الأخيرة لا تعكس واقع الحال لأن معدل الإنتحار في لبنان لم يتغير منذ عشر سنوات حتى الآن، وهو يتراوح بين 120 و170 حالة سنويًا”.
وأوضحت أن “90 في المئة من وفيات الإنتحار سببها مرض نفسي”، داعية وسائل الإعلام إلى “لعب الدور الذي لعبته خلال مواجهة جائحة كورونا حيث كانت التوعية الإعلامية عنصرًا أساسيًا في هذه المواجهة”.
وأكدت “وجوب استبدال العناوين ذات الطابع السلبي بعناوين تحفز على الإيجابية مثل الإنتحار يمكن الوقاية منه، خدمات الصحة النفسية متوفرة بأكثر من خمسين مركزًا للرعاية الصحية الأولية، أحدث العلاجات للإكتئاب موجودة في لبنان”.
نقاش
وكان نقاش تفصيلي حول دور الإعلام في مسائل الإنتحار أداره الإعلامي ميلاد حدشيتي، وشاركت فيه عضو مجلس نقابة المحررين يمنى شكر والناشطة في مجال الصحة النفسية ساشا الحاج عساف إلى جانب الدكتور الشماعي.
ولفتت شكر إلى الواقع الإعلامي السائد حيث “لم تعد هناك مؤسسات إعلامية قابضة على مسار العمل بل هناك منصات مفتوحة مشرّعة على نقل المعلومات من دون التأكد من صحتها ومصدرها ما يفتح المجال واسعًا للأخبار الكاذبة”.
ودعت إلى “تكوين نواة من الإعلاميين الذين ينسقون مع أطباء نفسيين وعلماء إجتماع لتشكيل إعلام متخصص يكون واجهة علمية موثوقة لحملات توعية وتعميم نماذج لتغطية حالات الإنتحار”، لافتة الى أنه “من المفترض أن تكون مقاربة الإعلامي علمية وإنسانية بعيدة عن البحث عن الإثارة”.
أما ساشا الحاج عساف فتحدثت عن تجربتها الشخصية ومعاناتها من إضطراب ثنائي القطب (Disorder Bipolar) وكيف تمكنت من تخطي الأفكار الإنتحارية، مؤكدة أن “الحديث عن الموضوع له انعكاساته، فإذا كان الإعلام إيجابيًا يمكنه أن يكون صلة الوصل بين المريض والمعالجين”.
المكاري
ثم كانت كلمة للوزير الاعلام لفت فيها إلى أن “دافعًا أساسيًا وراء هذا اللقاء تمثل بانتحار ثلاثة أشخاص في شهر واحد في منطقته زغرتا، ما شكل جرس إنذار مدو ومعبر”.
وقال: “إن الإنتحار ليس سبيلا لوقف المعاناة بل إنه استيلاد لمعاناة أكبر وأفظع نتسبب بها للأقربين. فقد ترفع الأزمات الإجتماعية والإقتصادية نسبة الإنتحار بسبب الضغوط النفسية على من يعانون أصلا من إضطراب نفسي عابر أو مزمن، لكنها ليست السبب الرئيسي والمباشر للإنتحار. لذا فإن ربط الإنتحار بتلك الأسباب يسهم في نقل صورة غير دقيقة عنه، بل قد يكون لهذا الربط تأثير سلبي ومؤذ على المقربين من الشخص الذي حاول الإنتحار أو أتمّه وعلى الشخص نفسه الذي حاول الإنتحار وعلى المجتمع ككل”.
اضاف: “ان الأشخاص الذين يمرون بظروف نفسية صعبة يحتاجون إلى الرعاية والدعم قبل أن يبلغوا حالة اليأس والإستسلام، فالناس لبعضها كما نقول بالعامية، وأجمل ما في لبنان واللبنانيين هو التضامن والتقارب وهذا نمط اجتماعي يميزنا عن بلدان أخرى”.
وتابع: “مما لا شك فيه أن مقاربة موضوع الإنتحار بشكل غير دقيق في المجتمع أو عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي تفضي إلى تفاقم المشكلة وتقود إلى المزيد من حالات الإنتحار، إذ إن المفاهيم والعبارات غير الدقيقة التي تستعمل عند تغطية موضوع الإنتحار، إضافة إلى نشر الصور والفيديوهات والرسالة الأخيرة وعرض الوسيلة التي استخدمت في العملية وتصوير الإقدام على الإنتحار كأنه عمل بطولي أو ضعف في الشخصية، كلها لها آثار نفسية سلبية وخطيرة، قد تحرّض الذين لديهم أفكار إنتحارية على الإقدام على إنهاء حياتهم، كما أنها قد تسهم في تعميق أزمة من تراوده أفكار إنتحارية وتكرار حوادث الإنتحار”.
وأردف: “لذلك، فإننا نعوّل على وسائل الإعلام، شريكنا الأول والأخير في التوعية ونشر الخبر الصحيح، والتعامل مع الأمر بطريقة علمية ودقيقة لتفادي الأضرار المعنوية والنفسية والجسدية”.
ودعا الإعلاميين إلى “المساعدة على نشر التوعية حول الصحة النفسية وزرع الأمل لدى الذين يعانون اضطرابات نفسية”، متمنيا عليهم “الإطلاع على الدليل العلمي المخصص للإعلاميين حول المعايير العلمية للتغطية الإعلامية لمواضيع الصحة النفسية باللغتين الإنكليزية والعربية”.
وأهاب بالمواطنين “توخي الدقة في تناقل الأخبار المتعلقة بالصحة النفسية وخصوصًا الإنتحار”، مؤكدًا أن “الأمان والدعم هما العلاج الوحيد للإضطرابات النفسية وبدل أن نقول الإنتحار هو الحل فلنقل لكل مشكلة حل”.
الأبيض
وختاما، أكد وزير الصحة “ضرورة الإرتكاز في مسألة الإنتحار على العلم والدراسات بعيدًا عن الآراء والإنطباعات”، لافتًا إلى دور الجمعيات العلمية والنقابات في هذا الأمر.
وشدد على “أهمية العمل التشاركي على غرار التعاون القائم بين وزارتي الصحة والإعلام لتحقيق النتائج المطلوبة”، مؤكدا “ضرورة أن يتعاطى الإعلام بمسؤولية تجاه مسألة الإنتحار بما يحقق الصالح العام”.
وقال: “لم نأت إلى هنا لنلوم أحدًا سواء المنتحر أو الإعلام. إننا نحاول أن نتفهم الظروف التي يمر بها الشخص الذي سيقدم على الإنتحار وتسليط الضوء من جهة ثانية على كيفية تعاطي الإعلام مع مسألة الإنتحار البالغة الدقة. فهذا النقاش يهدف بالدرجة الأولى إلى تعزيز حماية مجتمعنا وأهلنا”.
وأثنى على “الجهود المبذولة في البرنامج الوطني للصحة النفسية بالتعاون مع الشركاء الدوليين ولا سيما منظمة الصحة العالمية والوكالة الفرنسية للتنمية لتعزيز الوقاية والتوعية حول مسألة الإنتحار”.